[أهمية حسن الصلة بالله عز وجل]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أجل وأبرز صور التقوى أن يكون الدين مقدماً على كل شيء معتنىً به، وهو الذي ينبغي أن يكون كذلك في واقع حياتنا، ولعلي أشير إشارة خاتمة في هذا المقام هي بمثابة ما يذكرنا بما مضى كله، ويعيننا عليه بإذن الله عز وجل كله، إلا وهو حسن الصلة بالله إخلاصاً وتجريداً لتوحيده سبحانه وتعالى، وصدقاً في التوكل عليه، ودواماً في الإنابة إليه، واستحضاراً لمراقبته إيانا، وحياءً من مخالفتنا إياه، كل هذه المعاني هي التي تجعل الدين والقرآن والسنة في قلوبنا حية حاضرة، فإذا جاءت النقمة أو حلت الفتنة فلا صارف لها إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل عن يوسف عليه السلام: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} [يوسف:٣٤] وكلما عظمت الخطوب أو اشتدت الكروب فلا فارج لها إلا الله، كما قال عز وجل: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠] وقال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٢] كلا والله! فينبغي أن نعظم الإيمان به سبحانه وتعالى، وأن نجرد التوحيد له جل وعلا، فلا تعلق بغيره، ولا دعاء ولا استعانة ولا استغاثة بغيره، ولا تعويل ولا توكل ولا اعتماد ولا ثقة بغيره سبحانه وتعالى، ولا خوف ولا رهبة ولا رجوع إلا من خوفه سبحانه وتعالى، ويوم نجاهد أنفسنا في ذلك ونستعين الله عز وجل فيه يكون لنا أثر عظيم في كل ما سبق، ولا شك أن من حسن الصلة بالله حسن عبادته، فلماذا المساجد قد خوت من المصلين؟! ولماذا المصاحف قد جانبها القارئون والتالون؟! وهكذا لعلنا نراجع أنفسنا ونحن نعلم اشتداد الخطوب وتعاظم الكروب، ولكننا نوقن أن التغيير لا يكون إلا وفق منهج الله عز وجل، ووفق ما جاء وفعله رسوله صلى الله عليه وسلم يوم ربى وغرس الإيمان في القلوب، واصطفت وراءه الصفوف بالصلاة، وصبر وكظم غيظه يوم لم تكن عنده قوة، ثم أنزل الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:٣٩]، فانبرى النبي صلى الله عليه وسلم لإعلاء كلمة الله ونشر دين الله ورفع راية الجهاد في سبيل الله، ففتح الله عز وجل له القلوب، كما فتح له الدور والبلاد.
وهكذا تدور الدورة مرة أخرى، وهي تبدأ حقيقة من الأم التي ترضع ابنها وتغذيه وتعلمه وتربيه على معاني الإيمان والإسلام، إنها حينئذ تعد أسلحة أقوى من الأسلحة الذرية التي يخوفوننا بها؛ لأنها تعد أسلحة الإيمان واليقين، وأسلحة الإسلام والخلق، وأسلحة العمل الصالح، وأسلحة الدعاء المستجاب، إنها حينئذٍ تجعل لنا في كل بيت ثكنة إيمانية إسلامية عظيمة لا يمكن بحال من الأحوال أن تهزم في مواجهة أو ميدان.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم الإيمان في قلوبنا، وأن يعيد اليقين في نفوسنا، وأن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.
اللهم! طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، واهد بصائرنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وخلص نياتنا، واجعلنا من عبادك الصالحين، واكتبنا في جندك المجاهدين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم! اجعل آخر كلامنا من الدنيا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين.
اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، وان تجعلنا هداة مهديين.
اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وأقل عثراتنا، وامح سيئاتنا، وضاعف حسناتنا، وارفع درجاتنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا رب العالمين.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه.
اللهم! إنا ندرأ بك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم.
اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم! اقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، وفرق كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، ورد كيدهم في نحرهم، واجعل بأسهم بينهم.
اللهم! يا رب العالمين! انزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، وانتقم لنا منهم، واشف فيهم صدور قوم مؤمنين، عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم! أقر أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين.
اللهم! رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين والمضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في العراق وفي فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، وقو وحدتهم، وأعل رايتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم! اجعلنا من عبادك الصالحين، واكتبنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام، أخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.