الأمر الثاني: الحرص على الوحدة والائتلاف، والحذر من الفرقة والاختلاف: فنحن أحوج ما نكون إذا اجتمعنا وائتلفنا على هذه الجمل الثابتة حتى نتوحد ونجتمع وننسى خلافاتنا، بما فيها الاختلافات والآراء الاجتهادية الفقهية في المسائل العلمية وفي المواقف العملية التي ينبغي أن تذوب؛ لأننا في مواجهة خطر أكبر وعداء أشمل وصورة ماحقة تستهدف الإسلام وأهله من الجذور ومن الأسس، فلا ينبغي أن نبدع هذا أو نفسق هذا وخاصة في مثل هذه الظروف، بل لابد أن يكون التكاتف والتلاحم بين الجميع رعاة ورعية وحكاماً ومحكومين، وإن وجد خطأ فثمة ما هو أعظم من هذا الخطأ، وإن وجد تقصير فثمة ما هو أخطر من هذا التقصير.
ولابد أن نكون على وعي وبصيرة، وعلى موازنة بين المصالح والمفاسد، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس المسلم من يعرف الشر من الخير، ولكنه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
فإن الشرور كثيرة، والخير صوره متنوعة، قد تأخذ أدنى شيء منه وتترك ما هو أعظم، وقد تأخذ من الشر ما هو أعظم وتترك ما قد يحتمل مما هو أدنى، فينبغي أن نعرف ذلك، وأن نحرص أيها الأحبة الكرام! في زمن الفتن والمحن على تراص الصفوف وتلاحمها؛ فإن أعظم هدية تقدم لأعدائنا أن نفرق صفوفنا، وأن نزيد تقطيع أوصالنا، فيأكلوننا لقمة سائغة، كما قال العربي من قبل: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض! إنهم لا يفرقون بين مسلم في هذه البلاد ومسلم في بلاد الشام أو في بلاد اليمن، إنه لم يعد ثمة تفريق بين من يسمون متطرفين أو إرهابيين، وبين مسلم قد يصفونه بأنه مسالم موادع، فالكل في شرعتهم من حيث الحقيقة سواء، وإن بدءوا بهذا فالثاني من بعده، وإن بدءوا بتلك الديار فربما تكون تلك بعدها، فينبغي ألا نجعل فرصة لأعدائنا بمزيد من التشتت والتفرق والتشرذم والتنابز بالألقاب، بل احرصوا على هذه الألفة وهذه المحبة، ولا يكون ذلك إلا بتلك الجمل الثابتة في اعتصامنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.