أول قضية بالنسبة للطالب أنبه عليها هي: سمات الطالب المسلم، ولن أسرد كثيراً من السمات، وإنما أجمع وأركز على أربعة منها: أولها: تحديد الهدف والغاية: فليس المسلم هو الذي يخبط خبط عشواء، ويدرس ولا يدري لماذا يدرس؟ ويتخصص في مجال ولا يدري لماذا يتخصص؟ وليس له في ذلك قصد ولا غاية ولا نية ولا توجه، فإن هذا عبث ينزه عنه الإسلام المسلم، ويلفت نظره قول الشاعر: قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل والتعليم يعتبر جزءاً من حياة الطالب المسلم، ويدخل ضمن عموميات المفهومات المستقرة لدى الطالب في قوله جل وعلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦]، وقوله جل وعلا:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]، فهدفه إرضاء الله سبحانه وتعالى، وتحصيل ما يستعين به على طاعة الله، وخدمة أمة الإسلام، ودفع أسباب الضعف والخور عنها، متمثلة في شخصه، وفيمن حوله، ليس عنده تحديد للغاية فقط، بل إن غايته تشمل مصلحة أوسع من دائرة الأنانية الذاتية، فليست نظرته قاصرة في الحصول على الشهادة، أو التفوق لذات التفوق، بل إنه يكرس ذلك كله إلى أهداف سامية، وغايات تشمل جميع الأمة في مصالحها وشئونها المتعددة، وهذا أول أمر من سمات الطالب المسلم.
ثانيها: الجد والإتقان: الجد طريق المجد، والإتقان طريق رضى الرحمن، ليس هناك وقت للخور ولا للتكاسل في حياة المسلم، والطالب أيضاً في هذا المضمار ليس عنده أية كلمات في قاموس حياته التعليمية تقبل الكسل أو الخور أو الرسوب أو الضعف أو نحو ذلك، بل كله جد يستشعر قول النبي عليه الصلاة والسلام:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ينبغي أن يتأمل الطالب أنه مفرغ للدراسة، ومهنته المكتوبة في هويته: طالب، وينفق عليه لأجل ذلك، وتبنى له المدارس لأجل ذلك، ويحضر له المدرسون، وتتوافر كل هذه الإمكانات والجهود والطاقات والعقول والسياسات والإدارات لأجل أن يكون هو المستثمر والمستفيد حتى ينعكس ذلك عليه وعلى المجتمع من بعد ذلك، فكيف يخلف الظن في كل هذه الأمور؟! لو كان هذا في الأحوال المعتادة مقبولاً أو العتب فيه خفيفاً أو يسيراً لكنه في ظل أوضاع تأخر الأمة وتخلفها اليوم لا يمكن أن يكون مستساغاً ولا مقبولاً بأية صورة من الصور، فإن الإنسان إذا كان في سباق وعلم أن المتسابقين قد سبقوه في المسير بساعات عدة وهو يريد أن يلحق بهم -لا نقول: يريد أن يسبقهم- فلن يبذل جهده المعتاد أو الطاقة المعتادة المتوقعة، بل المتوقع أن يبذل الضعف، وأن يضاعف الجهد ليستدرك هذا الخلل وذلك الفارق الكبير.
ولاشك أن تخلف وتأخر الأمة في جوانب كثيرة يبعث الأسى والألم، ويثير الحزن، ويكثر الحديث عنه في خطب الخطباء، ووعظ الوعاظ، ولكن أكبر قوة وأقوى صورة لتغيير هذا الضعف واللحاق بالركب السائر هي صورة العمل والجد والإتقان، ولذلك حينما نسمع هذه الاستغاثات أو عدم الرضا عن هذا التخلف نسمعه كلاماً كأنه يدور في حلقة مفرغة، والإجابات العملية هي التي ينتظرها الناس، ويؤمل فيها التغيير، وإلا فإننا نستطيع أن نردد مع القائل كثيراً من أسباب التندم والتحسر، ولكن يحتاج الأمر في آخره إلى العمل.
ملكنا هذه الدنيا القرونا وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا وكنا حين يأخذنا عدو بطغيان ندوس له الجبينا تفيض قلوبنا بالهدي بأساً فما نغضي عن الظلم الجفونا وما فتأ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد كانوا أئمته سنينا وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا ترى هل يرجع الماضي فإني أذوب لذلك الماضي حنينا ولن يرجع إلا بالجد والإتقان.
ثالثها: الصبر والاستمرار: فإن التعليم وقضيته ليست ثورة عابرة، وليست طفرة حماس عابر، ولا زمن قصير سائر، بل هي صراع حضاري، وبناء أممي، جهاد طويل المسار، متعدد المسالك، تحتاج الأمة فيه من أفرادها وأبنائها إلى دأب واستمرار، فليس المسلم هو الذي يقنع بالدون، بل همته لا ترضى إلا بأعلى المعالي، ولذلك ما يزال كلما اقتبس علماً ووصل مرتبة سعى إلى غيرها، وكان بهذا السعي والتقدم عاملاً من عوامل التغيير المنشود.
رابعها: الاستمداد من الله سبحانه وتعالى، وهذه مزية الطالب المسلم؛ أنه يشعر دائماً بالفقر والعجز والحاجة لله سبحانه وتعالى، ولذا يندفع نحو الاستعانة بالله جل وعلا.
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده ويستشعر قول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:٦٩]، ولذلك تجد الطالب المسلم يستمد من الله عز وجل دوام الاستعانة به، والحرص على الاستقامة، ولذلك تجد في هذه الأيام بعض الطلاب يحرصون على الاستقامة، ويقبلون على المساجد، ويحرصون على الطاعات؛ لماذا؟ لأن في نفوسهم شعوراً بأن هذا يؤدي إلى التوفيق، ويقول الطالب في نفسه: إن أنا أطعت الله عز وجل يسر لي الأمر، وسهل لي العسير، ونحو ذلك، وهذا الشعور في حد ذاته محمود، لكن السمة للطالب المسلم الحق هي: دوام الاستمداد من الله سبحانه وتعالى، فلا يفتر، ويعلم قول الله جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:٣٠]، فإذا كان هذا هو الجزاء في الآخرة فهو كذلك في الدنيا عظيم، بدوام التوفيق والتيسير والتسهيل.