للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب أخذ العظة والعبرة من هذه الكوارث]

أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن أعظم درس من هول هذه الحادثة لهو الاعتبار بأثر الذنوب والمعاصي، وهو أمر يطول الحديث فيه، ويأتينا بعض المسلمين وبعض من المتحدثين بلسان عربي مبين ليقولوا لنا: إنكم معاشر الدعاة المتدينين تربطون كل شيء بالمعاصي والذنوب، وهناك حقائق علمية وهناك قوانين أرضية تقول لنا: إن هذا حصل بسبب كذا وكذا، وإنه وقع هنا لأجل كذا وكذا، وأنتم تربطون كل شيء بالذنوب والمعاصي، فهل هذه هي أراضي الذنوب والمعاصي فحسب؟ وأين هذه الكوارث من ذنوب ومعاص أخرى؟ فنقول لهم: إننا لا نلتفت إلى هذه الأقوال، ونلتفت إلى قول رب الأرض والسماوات، وإلى كلام أهل العلم، وإلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، ونعرف باختصار شديد أن مثل هذه الأحوال هي عقوبات للمذنبين، وابتلاء للمؤمنين، وعبرة للناجين، ففيها من كل وجه فائدة قد تكون مختلفة عن الأخرى، وهذا قول أوجز به -لئلا أطيل عليكم- من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله قال: إن للمعاصي والذنوب من الآثار القبيحة المضرة بالقلب والبدن والمجتمع، والمسببة لغضب الله تعالى وعقابه في الدنيا والآخرة ما لا يعلم تفصيله إلا الله سبحانه وتعالى، فهي تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والثمار والمساكن: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:١٣٠].

وإن فيما يقع من هذه الكوارث عظة وعبرة، والسعيد من وعظ بغيره، وبالجملة فإن جميع الشرور والعقوبات التي يتعرض لها العباد في الدنيا والآخرة أسبابها الذنوب والمعاصي.

وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد، قال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية:٧ - ٨]، كما أن الاستمرار على معاصي الله عز وجل مع حدوث بعض العقوبات دليل على ضعف الإيمان أو عدمه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:٩٦ - ٩٧].

إن من الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا من أسباب غضبه ونقمته، والله جل وعلا يقول: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام:٦٥]، وقد بينت الآيات هولاً عظيماً فيما يجري به قضاء الله وقدره من العذاب والهول بحسب ما يكون من الذنب والمعصية، وحسبنا نموذج واحد يذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما كان رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)، وروى البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض).

والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٦ - ٩٩]، وذلك تذكير وعظة وعبرة نحتاج أن نتذكرها، وأن نوقن أنه ما وقع عقاب إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، فأقلعوا عن الذنوب وارجعوا إلى التوبة، عل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمته.

ومن المهم أن نذكر أن كثيراً من هذه المناطق التي أصابتها هذه الكارثة هي من الشواطئ الساحلية السياحية التي بعضها معروف بأنه من أشهر أماكن الفسق والفجور والدعارة المعلنة على مستوى العالم، والله جل وعلا قد بين كل أنواع العذاب رابطاً إياها بالذنوب: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:٤٠].

والابتلاء أمره مهم، وخطبه عظيم، والتذكير بذلك من الأمور المهمة، ودعك ممن لا يرون ذلك، ويفسرون بالماديات، ويظلون غارقين بالمعاصي والسيئات.