ثمة وقفات كثيرة في صيام عاشوراء، منها أهمية شكر الله عز وجل على النعم، وأن النعم تكون بفضل الله عز وجل ثواباً وجزاءً لفعل الخير، وللتشبث بالإيمان واليقين، والثقة بوعد الله عز وجل، وصدق التوكل عليه، فإن نجاة موسى عليه السلام كانت أمراً خارقاً للعادة، ومعجزة لنبي الله عز وجل موسى.
وكانت أعظم دليل على عظيم يقينه، وقوة إيمانه، وصدق توكله على ربه، وعظيم ثقته بالمخرج الذي يسوقه الله عز وجل لكل مؤمن به وصادق معه:{قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:٦١] لم يروا للنجاة بصيص أمل، فقد كان فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم، مع قلة عددهم وعتادهم، وضعف إيمانهم، وعدم قوة يقينهم قالوا:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:٦١]، واللفظ القرآني معجز في بيان بلاغة معناه (إنا) إما على سبيل التوكيد، وقد تقع جواباً لقسم، أي: والله إنا لمدركون، والإدراك: هو الإحاطة من كل جانب، فليس ثمة منجى ولا مهرب، غير أن لسان الإيمان، ودليل التوكل تجلى في قول موسى عليه السلام في جانبين اثنين:(كَلاَّ) أي: ذلك قول غير مقبول في منهج الإيمان، وغير مرضي عند أهل اليقين.
ثم قرر الحقيقة الأخرى بتقرير أشد في التوكيد، وأعظم في التصديق من قول أصحابه في التوهين والضعف فقال:(إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) والتوكيد في (إن)، وتقديم المعية؛ استشعار إيماني عظيم صادق كأنما هو رأي عين، كما حصل من المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم كان في الغار فقال أبو بكر:(لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا! فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، وذلك من عظيم الإيمان واليقين.
{قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦٢] لم يكن موسى عليه السلام يعرف كيف سيكون المخرج، ولم يكن يرى سبيلاً واضحاً للنجاة، غير أنه يملك إيماناً في قلبه، ويقيناً في نفسه، وثقة بربه، سوف يأتي الفرج لكن لا يعلم بأي وسيلة سيكون! ثم جاءت الوسيلة على خلاف كل معهودات البشر؛ لتبين أن الإنسان الضعيف ينصر بقوة القوي القادر سبحانه وتعالى:{اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}[الشعراء:٦٣] وما عسى أن تغني العصا؟! وما عسى أن يغني الضرب بها في البحر؟! وأي شيء ينتج من ذلك؟!! حصلت النتيجة الهائلة العجيبة الغريبة التي ليس لها نظير:{فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[الشعراء:٦٣] البحر ينشق طرقاً لا طريقاً واحداً، وهي طرق ليست كالطرق الإلكترونية البشرية، بل هي طرق إلهية ربانية، بعد أن نجى الله موسى ومن معه أطبق البحر على فرعون ومن معه، وهنا استشعر موسى عليه السلام أن نعمة إيمانه ويقينه وتوكله أفاضت عليه من ربه نعمة نجاته وسلامته، ودحر عدوه، فجدد هذه النعمة بنعمة أخرى، فصام ذلك اليوم شكراً لله جل وعلا على ما من به من النجاة.
وقد ساق الله جل وعلا لنا آيات الشكر في سياق قصة موسى عليه السلام، وفي معرض مخاطبته لقومه، قال جل وعلا:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:٧]، ثم جاء القول على لسان موسى عليه السلام:{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}[إبراهيم:٨].