الإصلاح في المجال السياسي ليس هو اجتهادات بشرية، بل منطلقه إيماني، فكل الذي خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات التي جاءت في ذلك منطلقها إيماني واضح، فالإصلاح السياسي أساسه شرعي بين، الله جل وعلا يقول:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥] إن هذا الحكم في التشريع الإسلامي إنما هو دليل وأثر وجزء أصيل من إيمان المرء بالله عز وجل، ومن تصديقه بإسلامه، وإذا جئنا إلى الأحكام وجدنا التفصيل في القرآن الكريم فيما يتعلق بالعهد والأمان والصلح وغير ذلك من العلاقات داخل الأمة الإسلامية وخارجها، فنحن كذلك ندرك هذا.
ثم ندرك من بعد المصالح المراعية التي يراد بها أن نراعي الأحكام والآداب وتحقق المصالح، وذلك ما نجده في هذه التشريعات وتلك المنطلقات، وتأتينا مرة أخرى دعاوى الإصلاح الديمقراطي، الذي في حقيقة أمره وواقع تطبيقه يشهد بأنه لا يعترف بحكم ولا يعترف بتشريع، بل كل ما قالته الأغلبية هو الحق الذي يمضي ويعتمد ولو خالف قرآناً ولو عارض سنة وغير ذلك.
ثم فوق هذا كله يأتينا هذا الإصلاح بدعوات مقصدها الفتنة وإثارتها في مجتمعات المسلمين، فالدعاوى المنطلقة باسم حماية الحريات الدينية والمذهبية وحريات الفكر، إنما تريد أن تنظر في كل بلد إسلامي إلى تلك الأقليات لتجعل منها قضية تفتت هذه المجتمعات وتضعفها بدعوى الإصلاح السياسي ومراعاة الحقوق.
ونحو ذلك أيضاً في مراعاة حقوق الإنسان ونحوه، وإلا فأين هؤلاء ودعواتهم، ليس فيما مضى، بل في الوقت الذي يحتلون فيه البلاد، ويقتلون فيه العباد، ويغنمون ويسرقون الثروات، ثم يقولون لنا ذلك كله؟! فلذلك ينبغي لنا أن ندرك هذه الحقائق، وأن ندرك أن الترويج الذي يروج اليوم هو أمر خطير، لا ندرك خطره؛ لأننا وللأسف لا نتابع حقائقه التي تمر مرة بعد مرة، وأُذكِّر بمؤتمر قديم عن المرأة للأمم المتحدة قامت له الدنيا ولم تقعد، وظننا أن الأمر انتهى، واليوم يمضي على هذا المؤتمر عشرين عاماً، وقد توالت بعده مؤتمرات، وقريباً يعقد مؤتمر اسمه:(مؤتمر بكين + عشرة) أي: بعد عشر سنوات من مؤتمر بكين ما الذي أنجز؟ وما الذي تحقق؟ وما الذي يجب أن يحقق؟ فالقوم ماضون فيما يزعمونه من ترويج نموذجهم وإصلاحهم، وكثير من المسلمين غافلون، وكثير منهم مسايرون، وبعض منهم وللأسف قائمون على هذا ومروجون له.
نسأل الله عز وجل أن يبصرننا بديننا، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.