الحمد لله، الحمد لله العزيز الغفار، المنتقم الجبار، مكور الليل على النهار، ومكور النهار على الليل، نحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آنٍ، وله الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على آلائه ونعمه التي لا تُعد ولا تُحصى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، هدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به قلوباً غلفاً، وأسمع به آذاناً صماً، وكثر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! (الصيف ضيعت اللبن) مثل عربي شهير، يُضرب فيمن ضيع الفرصة، وفوت الغنيمة، وترك المجال الرحب الواسع، ولم يكن له من ذكاء عقله ومن شرف نفسه ومن قوة عمله ما يجعله محصلاً لمكاسب دنياه ومدخراً لمآثر أخراه.
هذا المثل يُضرب لامرأة تزوجت رجلاً شهماً كريماً، فكان يغدق عليها طعاماً وشراباً ولبناً سائغاً للشاربين، مع حسن معاملة وإجلال وإكرام، لكنها لم تقابل ذلك باعترافها بالنعمة، وشكرها لها، وانتفاعها منها، وحرصها عليها، بل قابلت ذلك بإعراض وتضييع، وبجحود وإنكار، فكانت العاقبة أن طلقها، ثم تزوجها غيره، فلم تجد عنده يداً مبسوطة بالكرم، ولا وجهاً مشرقاً بالسرور، ولا معاملة محفوفة بالإعزاز والإكرام، فتندمت وتحسرت على ما فات عليها، وما ضاع منها، لكنها لم تنح باللائمة على غيرها، وإنما خاطبت نفسها تذكرها تفريطها، وتبين لها سوء تدبيرها، فقالت:(الصيف ضيعت اللبن)، ومضى مثلاً لكل من أضاع الفرصة، وفرط في الغنيمة.