ولذلك أول أسس الفهم الصحيح هو الفهم للحق الذي جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير إفراط ولا تفريط.
الأمر الثاني: أن المرجعية عند حصول الاختلاف أو النزاع إنما هي لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:٥٩]، فلابد من معرفة هذه القضية، فعند اختلاف الآراء، أو تباين الأفكار، أو تعدد الاجتهادات فالفصل لا يرجع إلى الأشخاص، ولا يرجع إلى المذاهب، ولا يرجع إلى التقليد أو التعصب، وإنما إلى الاستنارة بضوء وأنوار الكتاب والسنة على ما تقتضيه الأصول العلمية المرعية، والاجتهادات العلمية المقبولة.
الأمر الثالث الذي ننبه عليه: هو أن هذا الرجوع فيه ثبات للمرجعية والمعيارية، وسلامتها من تنازع الأهواء وضغوط الواقع، فلو أنه لم يكن لنا رجوع إلى الثابت المعصوم من نصوص الكتاب والسنة لانفرط عقدنا، واختلف رأينا، وتشتت شملنا، وذلك أنما في كتاب الله حق لا باطل معه، ويقين لا شك فيه، وأمر صالح لكل زمان ومكان.
ثم هو من جهة أخرى سالم من التغير والتبدل رغم كل تغيرات الظروف والأحوال، وبذلك نفقه هذا الأصل المهم في حقيقة فهم الغلو، فإنه ليس فهماً ينشأ من واقع الناس، فإذا بدل الناس وغيروا في دين الله، وفرطوا فيه، صار الغلو عندهم مفهومه مفهوماً آخر.
وربما رأوا أن التمسك بالفرائض والمحافظة عليها، والاجتهاد في الطاعات، والزيادة في المشروع منها غلواً غير مقبول كما يظن أولئك الضعفة والكسلة المفرطون في الواجبات، المتخاذلون عن التزام الفرائض، ولو جعلنا ذلك مرجعه إلى الناس لربما جنحت أهواؤهم ممالأة لأعداء الله عز وجل، ومصانعة لهم، أو خوفاً منهم أو توهماً أن عندهم شيئاً من صواب، وذلك يؤدي بنا إلى الانحراف.
فلنعلم هذه الحقيقة المهمة، ثم لنفهم الإطار العام والمنهج الذي جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الغلو فيه حتى لا نجنح إلى مثل هذه الأمور التي أشرنا إليها.