[حرمة اغتيال النفوس ومفاسدها]
الحمد لله جعل الإيمان عزاً وأماناً وجعل الإسلام فخراً وسلاماً، له الحمد سبحانه وتعالى أحسن إلينا بشريعته، وأكرمنا بطاعته، وجملنا بالتزام أحكامه، له الحمد سبحانه وتعالى كما يحب ويرضى، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد كثيراً طيباً مباركاً دائماً ما دامت السماوات والأرض.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وكان أسبقنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه وكان أبعدنا عنه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم، واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! مخاطر الاغتيالات، حديث يهمنا كثيراً، وبادئ ذي بدء: ليس حديثي مركزاً ولا مقصوراً على الاغتيالات بمعناها الذي تعرفونه، بما تشتمل عليه من قتل الغيلة، لأن الاغتيال في معناه إلحاق الشر أو القتل أو الضر بالإنسان خفيةً أو خدعةً، وكلنا يعلم هذه المخاطر من هذا المعنى المعروف، والأحداث التي جاءتنا قريباً في العاشر من هذا الشهر، وليس حديثنا عن هذا لأن حكمه معلوم، فإن القتل بغير حق حرام من أعظم الكبائر في دين الإسلام، وإن المفاسد التي تترتب على ذلك عظيمة لا تكاد تخفى على أحد، ولها أثر وخيم، وضرر كبير لا تخطئه العين.
فكل قتل بغير مسوغ وسبب شرعي ظاهر فهو من أعظم المحرمات، والقتل العشوائي الذي لا يفرق بين كبير ولا صغير، ولا رجل ولا امرأة، ولا صالح ولا طالح، هو قطعاً مما يعلم أنه ليس له في الحل والمشروعية مكان ونصيب، إذ لم يكن مقصوداً به أعداء الله عز وجل من الكفرة والمحاربين المعتدين، وهناك مفاسد عظيمة ليس هذا حديثنا فيها، ومقامنا عنها، ولكننا نذكرها تمهيداً لما نريد الحديث عنه، ومنها: ترويع المسلمين، وإشاعة الخوف في قلوبهم.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من كان معه سهام ودخل إلى مسجد، فليأخذ بنصال سهامه لئلا يؤذي أو يروع المسلمين)، فكيف ومثل هذا القتل والاغتيال يجعل كل أحد يرى أنه قد يكون هو الضحية في ذلك؟! فلا يكاد أحد يأمن على نفس وروح، ولا على مال وملك، ولا على عرض وشرف.
وفيه مفسدة أخرى وهي الاستهانة بالدماء، وهي من أعظم ما حرم الله عز وجل وعظم شأنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).
الدماء وما أدراك ما الدماء، كل شيء يهون بعد الإيمان والاعتقاد الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).
وهذا القتل العشوائي الكبير الواسع كأنما يجرئ الناس على هذا الفعل، ويجعل النفس رخيصة لا قيمة لها، وذلك ليس من أحكام الإسلام، ولا من مقاصده، بل هي على النقيض من ذلك، وفيها مفسدة حصول الفتنة والاضطراب، وحيرة الآراء، وتبلبل الأفكار، واختلاف الظنون، وحصول كثير من هذه الأمور العظيمة التي تضطرب بها الأحوال، إضافة إلى إفادة أعداء الإسلام والمسلمين، فإن التفريق ليس بحاصل على وجه يدركه العاقل، بحيث يكون تمييزاً تاماً وكاملاً بين مسلم وآخر، ثم هو من جهة أخرى إضعاف لمواجهة الكفرة المعتدين المحتلين، لأن كل جهد يصرف في باب غير بابه، وفي أولوية غير أولويتها لا شك أنه يؤثر، وهذا أمره ظاهر بين، ولذا لا أفيض فيه.