[دور المسلمين في قضية فلسطين]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنين! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن، ولعل قائلاً -أيها الأحبة- يقول: ولم مثل هذا الحديث مرة أخرى؟ أقول: أولاً: حتى لا ننسى الحقائق والثوابت الإيمانية والعقدية الإسلامية.
ثانياً: حتى لا ننشغل ببنيات الطريق وحدها، وحتى لا ننصرف كل مرة إلى جهة يوجهنا إليها الأعداء بجرح نازف جديد، ولا نقيم على الجرح الأكبر في مقامنا ومرابطتنا.
ثالثاً: أن قضية اليوم وحادث الساعة وحديث الوقت لم يعد العراق على الحقيقة، وإنما هو هذه القضية، وما يحاك لها، وما يضغط به على جميع الدول والمجتمعات والشعوب، وتأتلف عليه الدول كلها، وتجتمع عليه الاتحادات والمؤسسات الدولية التي ليس فيها -وللأسف الشديد- للعرب ولا للمسلمين ذكر ولا دور، وكأن تلك البلاد ليست بلادهم، والقضية ليست قضيتهم، والشعب والأمة ليس لهم به صلة ولا سبب ولا نسب، فهل رأيتم في تلك اللجان دولة عربية أو إسلامية؟ إنها من الشرق والغرب واليهود، وممن يصنعون ما يشاءون ويدبرون، وعلى الآخرين أن ينفذوا! رابعاً -وهو المهم-: ما هو دورنا وواجبنا؟ وكثيراً ما نؤكد على هذا، وكثيراً ما قد زدت وعدت في أمر مهم وهو دور الحكام والأمراء، ودور الدعاة والعلماء، دورهم عظيم، وواجبهم مهم، وعليهم ما عليهم، وفي تقصيرهم ما فيه، لكنني أقول: ما دوري ودورك؟ وهل سيعفو الله سبحانه وتعالى عنا أو لا يسألنا إذا فرط أولئك أو قصر هؤلاء؟ إننا مسئولون كل بحسبه، وأول هذه الواجبات: الوعي الصحيح، والإدراك التام، والمعرفة الحقة لهذه القضايا.
الثاني: التوعية بها ونشرها وجعلها حديث المجالس والالتفات إلى ذلك دائماً وأبداً.
الثالث والمهم: المقاومة السلبية، وأعني بها أن نكون صخوراً صلبة عصية على كل هذه المؤامرات، وألا نكون متقبلين لها، أو راضين بها، أو مروجين لها أو مسهمين في تحقيقها، ولو بغض الطرف، ولو بالإشاحة عنها، أو البعد عنها؛ إن الأمة الإسلامية اليوم في حالة عظيمة من حالات الوعي بخطورة أعدائها واستهدافهم لدينها، ولقوتها الاقتصادية، ومقوماتها الحضارية، بل ولوجودها كله، وقضية العراق كانت نموذجاً لفت الأنظار إلى ذلك، وكثر الحديث فيه على جميع المستويات السياسة والإعلامية والشعبية، ثم كاد أو عاد الحديث مرة أخرى ليخفت ونرجع إلى الانشغال بالطب والجراح والمساعدات على أهميتها.
ثم أيضاً هذه المقاومة السلبية تعني ألا نكون سبباً في تقوية أعدائنا بأي وجه من الوجوه ألا نكون سبباً في تقويتهم اقتصادياً أو سياسياً أو إعلامياً، ونستطيع أن نفعل في ذلك الكثير، وبأيدينا أن نقاطع ونمانع، وأن نوجه ونوعي ونكشف ونفضح هذه الأمور بكل ما نؤتى من أسلوب وقدرة وحكمة حتى نشعر بذلك الانتماء.
الأمر الرابع والأخير: المقاومة الإيجابية، ونعني بها العمل، والعمل تتنوع أساليبه بدءً من الدعاء والتعاون والتعاطف مع إخواننا في أرض فلسطين، ومروراً بدعمهم الاقتصادي والمالي لتثبيتهم، وإعانتهم على الثبات في وجوه أعدائهم؛ يكفي أيها الإخوة أن أشير إشارة واحدة إلى أن المقيمين في القدس لا يسمح لهم بأن يرمموا بيوتهم، ولا أن يصلحوها، ولا أن يغيروا فيها شيئاً، ومن أراد أن يبيع بيته يعطى أضعافاً مضاعفة من المال، ومن أراد أن يخرج يساعد على ذلك؛ فإن الأوضاع الاقتصادية التي تحيط بهم عصيبة جداً؛ فكيف لا نثبت هؤلاء مجرد تثبيت ليبقوا في أماكنهم، وأن يأكلوا ويشربوا ويعيشوا هناك في تلك المواقع ليكونوا على أقل تقدير شوكة في حلوق اليهود -عليهم لعائن الله- وهذا من أقل القليل؛ فضلاً عما يمكن أن يكون وراء ذلك، والحديث ذو شجون وذو حزن أليم، ولكنه من قدر الله الذي يوقظنا وينبهنا؛ لأن قضية القدس وفلسطين والمسجد الأقصى فيها خير كثير، وما ازدياد التآمر -بإذن الله- إلا مزيداً من اليقظة والوعي في الأمة، إنها قضية توحد الأمة وتمنع فرقتها، إنها تجمع قواها في اتجاه صحيح تجاه أعدائها بدلاً من أن توجه القوى فيما بينها، وإنها وراء ذلك تحيي من معاني الإيمان والإسلام والوحدة الإيمانية والإسلامية ما هو كفيل بأن يكون فيه خير كثير.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنا السوء والبلاء، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرد كيد الأعداء؛ نسألك اللهم أن تجعل إيماننا في قلوبنا عظيماً، ويقيننا في نفوسنا راسخاً، اللهم اجعلنا أوثق بما عندك من كل شيء في أيدينا، اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك وأفقر الفقراء إليك، ولا تجعل اللهم لنا إلى سواك حاجة، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم وفقنا للاستمساك بكتابك ولاتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا بكتابك مستمسكين، ولهدي نبيك متبعين، ولآثار الصحابة والسلف الصالح مقتفين، وللجهاد في سبيلك عاملين، وللبذل في نصرة دينك باذلين يا رب العالمين! اللهم استخدم جوارحنا في طاعتك، وسخرنا لنصرة دينك، واجعلنا ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلنا عباداً لك مخلصين، وجنداً في سبيلك مجاهدين، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم واجعلنا من ورثة جنة النعيم يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء! اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك باليهود ومن حالفهم يا رب العالمين، اللهم عليك بهم أجمعين، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين.
اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، يا قوي يا عزيز يا متين، أنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم إنا نسألك لطفك ورحمتك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين وفي الشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم ثبت خطوتهم، ووحد كلمتهم، وسدد رميتهم، وأعل رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تجعلنا لنصرة الإسلام والمسلمين من العاملين، وأن تحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأن تجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين! اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا بالذكر ذو القدر العلي، والمقام الجلي؛ أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأقم الصلاة {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].