الحجاب تحرير من الاعتداءات الأمنية، وهذا باب واسع عظيم؛ فإن التبرج بما يبديه من العورات وما يظهره من المفاتن، وما يبرزه من صور الإغراء والإغواء، يجعل المرأة كالفريسة التي تتعرض لافتراس الذئاب عاجلاً أو آجلاً، فإن منعوا من ذلك خوفاً من أمن أو شرطة أو نحو ذلك ربما انتهزوا فرصة في وقت آخر، وإن منعهم من ذلك حياء في ظرف فلن يمنعهم في ظرف آخر! ونضرب مثالاً: عندما تدخل إلى زيارة حديقة الحيوان تجد فيها الحيوانات داخل الأقفاص مغلق عليها أبوابها؛ لأنها لو تركت لافترست الإنسان الذي يتجول ويزور تلك الأسود والوحوش الكاسرة، والمرأة عندما تخرج متبرجة فإنها تكون عرضة للافتراس ولا شك بطبيعة الفطرة الإنسانية، وطبيعة تحطيم الحواجز من الحياء والأعراف وغير ذلك، وطبيعة ضعف أو فقدان الوازع الديني من الناس؛ لكثرة هذا التبرج، فحينئذٍ يقع هذا الاعتداء عليها بصور كثيرة مختلفة، لعل أبرزها وأشهرها في مجتمعات الغرب، والحضارة الغربية اليوم فيها أكبر صور الاعتداء المتمثلة في الاغتصاب، وهذه المجتمعات ليس فيها عندهم عيب، ولا حرام، ولا حد لحشمة ولا شيء من ذلك، ومع ذلك يقع الاغتصاب! والذي يتصور أنه لا يقع إلا عند وجود الكبت الذي يدعي أدعياء الإسلام من المتأثرين بالغرب أن الكبت سببه هذا الحجاب، ويقولون: انزعوا الحجاب حتى يزول الكبت، وحتى يصبح هناك تطبيع في العلاقات بين الجنسين.
فالغرب قد طبعوا العلاقات وأزالوها وألغوها، ثم إذا بنا نجد الإحصاءات تقول: تقع في كل نصف دقيقة جريمة اغتصاب في أمريكا، وإن (٩٠%) من جرائم الاغتصاب لا تبلغ إلى الجهات الأمنية وهذا يعني: أن هذا العدد ينبغي أن يضاعف تسع مرات، فإذا كان في كل دقيقة تحصل جريمتا اغتصاب؛ فإنه عندما نضاعف العدد تسع مرات سيكون في كل دقيقتين ثمانية عشر جريمة اغتصاب، وفي كل دقيقة تسع جرائم اغتصاب في مجتمع ليس فيه حرمة لزناً ولا لشذوذ ولا لشيء من هذا أبداً! وقد أجيزت هناك جمعيات كثيرة لتقاوم هذا العنف وهذا الاعتداء الذي سلب المرأة حريتها وأمنها واستقرارها، وحصلت هناك إحدى المظاهرات العظمى ضد الاغتصاب، وعقد يوم كامل للمناقشات والمحاورات حول هذه الظاهرة، وقيل في تعريف الاغتصاب كلام أنقله؛ لنرى أن بعض ما يقع للقوم قد عصمنا الله منه، وأكرمنا الله عز وجل فيه بشرع محكم.
قالوا: إن المرأة تغتصب حتى بمجرد نظرة إعجاب في الشارع من أحد المارة، وعليه فإن جميع النساء ضحايا الاغتصاب الجنسي! والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن:(العين تزني وزناها النظر)، وعندما سئل عن نظر الفجاءة قال:(اصرف بصرك ولا تعد)، وفي حديث علي:(إنما لك الأولى والثانية عليك).
فهذا لون من الألوان، وهناك ما هو أكثر من ذلك، ولهذا فإن المرأة المتبرجة في تلك المجتمعات تخشى أن تسير وحدها منفردة، حتى ولو كان لها ضرورة في الليل فإنها تخشى أن تخالط بعض الأماكن أو أن تلم بها، فأية حرية تكون في ظل هذا الخوف والإرهاب الذي سلط عليها؛ بسبب من عملها وتبرجها؟ ثم كذلك عندما ننظر إلى هذه الاعتداءات الأمنية نجد أن واقع القوم يشهد بحكمة تشريع الإسلام، ونعمة ما عند المسلمين من الأحكام.
فالشرطة البريطانية في إحدى المدن بعد كثرة جرائم الاغتصاب والاعتداء على النساء بصور مختلفة، وزعت إرشادات أمنية على النساء في كتيب، وذكرت فيه اتباع الإجراءات الأمنية التي تقي النساء من الاعتداءات، فماذا جاء في هذا الكتيب؟ وماذا جاء في هذه الإرشادات؟ إن من أهمها وأكثرها وأبرزها أهمية: ألا ترتدي المرأة الملابس الفاتنة القصيرة التي تكشف عن كثير من أجزاء جسدها! وهذا لم نأت به من عندنا، ولم نعطهم آيات من قرآننا، ولم نذكر لهم أحاديث من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما شعروا بأن هذا سبباً من الأسباب، وأخذوا به، أو أرادوا أن يأخذوا به، لا لدين ولا لتشريع، وإنما لمقتضيات أمنية بحتة صرفة كما يقال.
والمرأة المسلمة المتحجبة في أمن من الاعتداء عليها بالنظر أو الاجتراء عليها بالقول، فضلاً عن الاعتداء عليها باليد أو الاعتداء عليها بالاغتصاب، ومجتمعات المسلمين ما بليت بالجرائم التي نسمع بها في بعض بلاد الإسلام إلا عندما وجد التبرج، وكثر الاختلاط، نسأل الله عز وجل أن يحمينا وأن يعافينا.