نريد توجيه الناس إلى ما يفعلونه تجاه ما يحصل لهم من الفتن والظلم والبلاء والوباء والغلاء والفواحش في كلمة جامعة، فجل الناس يشكون من هذا؟
الجواب
هذا كلام حق، فقد كثرت الفتن، وأطلت برءوسها، وتعددت الشبهات، وتغيرت أسماؤها وألوانها، وقد كثرت صور الفساد والفواحش في كثير من البلاد والعباد، ولا شك أن هذا يستلزم مزيداً من التوقي والتحصن ومزيداً من العمل والاجتهاد.
فإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم والرسول عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم والقرآن يتنزل عليه، والبيئة نقية طاهرة نظيفة ليس فيها لغط من القول، ولا فاحش من الفعل، ولا منكر من الأحوال، ولا ظهور بالآثام، ومع ذلك كان الواحد منهم يخشى الذنب والغفلة، كأنما هو محاط بها وغارق فيها، وموجهة إليه سهامها، إذا كان هذا حالهم فما ينبغي أن يكون حالنا! الحق أننا نحتاج أولاً إلى الوقاية من الواردات التي ترد على الأسماع والأبصار، وترد على الأفكار، لأنها تخلص إلى القلب، فتضعف الإيمان، وتزرع الشك، وتبذر بذور الشهوة الآثمة المحرمة، فاصرف بصرك عما حرم الله، وصم أذنك عما حرم الله، وامنع فكرك أن يفكر في غير ما أحل الله حتى تحفظ نفسك أولاً، ومن جميل كلام ابن القيم أنه قال: دافع الخطرة، أي: خاطر السوء الآثم من البداية، فحاول أن تجعل الحواجز وأسباب الوقاية، فإن لم تفعل صارت فكرة تعشعش في رأسك وفي عقلك، فدافعها، فإن لم تفعل صارت شهوة، أي: نزلت إلى قلبك وتمكن حبها منه، فحاربها؛ لأن المسألة تحتاج إلى مدافعة، فإن لم تفعل صارت همة وعزيمة، فحاربها وامنعها، فإن لم تفعل وقعت في الذنب، فتداركه بضده، أي: التوبة والاستغفار، فإن لم تفعل صار عادة يصعب عليك الانتقال عنها.
فينبغي أن نأخذ بأسباب الاحتياط، فلا تجعل سمعك وبصرك وفكرك مفتوحاً لهذه الأمور، ثم تشكو بعد ذلك: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس