للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توجيه الدعاة إلى ضرورة الخروج إلى الناس ومخالطتهم]

السؤال

هناك الكثير من الصيادين الكسالى الذين يريدون أن يأتي الصيد إلى عتبة بابهم، فهلا أعطيتهم نصيحة موجزة بالغة؟

الجواب

أظن فيما ذكرناه من كلام طلحة بن عبيد الله ومن كلام عطاء بن أبي رباح ما يعبر عن هذا، وكما يقول الرافعي الأديب: إن لم تزد على الدنيا كنت أنت معنىً زائداً عليها.

إذا لم تكن لك إضافة من قول أو عمل أو جهد فأنت أصلاً زيادة لا قيمة لك ولا أثر لك، فإذاً أنت إنسان زائد في هذه الدنيا، وكما قال من علق على هذه المقالة: هذه صفعة وليست قولة، هذه صفعة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لكن ميت القلب ضعيف الهمة يحتاج إلى إحياء، إذ هو بمثابة الميت الذي يحتاج إلى إنعاش، مثل الذي يكون في غرفة الإنعاش عنده ألف خط وخط، خط للتنفس وخط للتغذية، وأمور كثيرة يحتاج إليها، أما الذي فيه حياة القلب ولو بنسبة معينة فإن التذكرة والكلمة توجهه، ولذلك قال الحسن البصري: لا تكن أقل من شاة الراعي، قيل: وما شاة الراعي؟ قال: تحركها الإشارة وتفزعها الكلمة.

شاة الراعي إذا هشها من جهة تحركت، وإذا صاح بها أو أشار إليها تحركت، وأما أنت فتسمع القول وتسمع القرآن الذي تندك له الجبال، وتصدع به الأرض، وتسمع حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وتقرأ القصص والسير ثم لا تتحرك، فهذا كما قال ابن القيم: اطلب قلبك في ثلاثة مواضع: عند تلاوة القرآن، وعند الدعاء لله سبحانه وتعالى، إلى أن قال: فإن لم تجد قلبك فكبر على نفسك، فإنه لا قلب لك.

فلابد للإنسان أن يتنبه، وهذا الذي يريد أن يبقى في بيته من قال له أن يخرج ليكسب رزقه، أو ليذهب إلى وظيفته، أو ليبرز عند الناس حتى يأخذ منزلته الاجتماعية؟ لماذا لا يقعد في بيته؟ فالرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى إليه) أفلا يقعد هذا أيضاً فيأتيه رزقه إلى بيته، ويأتيه الناس يعطونه الجاه والتقدير.

فنحن نراه في أمر الدنيا يسعى إليها، فيتفرغ بجهده وعمله ليكسب الرزق، ويهتم بهندامه وقوله حتى يلقى المنزلة والحظوة عند الناس، ولا يكون شيء إلا بالجهد والعمل، والكسالى وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم من أهل النفاق؛ لأنهم كسالى حتى في العبادة، قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢].

ولا نريد أن نكون كمثل القائل الذي يريد أن يأتي إليه كل شيء: سألت الله يجمعني بسلمى أليس الله يفعل ما يشاء حتى في الأمور المهمة في حياة الإنسان يريد أن تأتي إليه من غير تعب، فهذه قضية مذمومة، وثمة كلمات كثيرة عظة في هذا الأمر، لكن حسبنا ما ذكرنا، فإن كانت له حياة قلب فإنه إن شاء الله متعظ، وإن كان غير ذلك فيحتاج إلى أن ينتبه أولاً إلى الأسس التي يحيي بها نفسه وقلبه.