[نماذج من اعتماد الرسول صلى الله عليه وسلم على الله في الضراء]
فقد رأينا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان اعتماده عليه الصلاة والسلام عليه واستناده إليه واستمداده منه، يوم رجع من الطائف قائلاً بعد أن لقي ما لقي:(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري! إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي).
وعندما جاء يوم بدر وجاءت الجموع الغفيرة بثلاثة أضعاف ما هو عليه عدد المسلمين قال عليه الصلاة والسلام:(اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً، اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وكبريائها)، فتنزل النصر على محمد صلى الله عليه وسلم.
ويوم اجتمع الأحزاب كبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وجاء المدد الرباني، فأكفئت القدور، وأطفئت النيران، وقلعت الخيام، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال.
تلك هي الصلة القوية، فهي في كل خطب نجاة، وفي كل معركة نصر، وفي كل مواجهة تفوق؛ لأن القلب الموصول بالله لا يُهزم، وإن كانت جولة في معركة أو هزيمة في مواجهة فما يزال القلب الموصول بالله يستمد نصراً من بعد نصر وقوة من بعد قوة، ويرى في ذلك بلاءً هو امتحان وتمحيص له، كما قال عز وجل:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران:١٧٩].
وإذا وجدنا اشتداد الضر وما يحيط بنا من كرب، فإنه ليس لنا إلا تلك الصلة، كما أخبر الحق سبحانه وتعالى بقوله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:٦٢]، لا أحد سواه، فكيف تدعوه وكيف تلجأ إليه وقد قطعت حبال الوصل، وأعطيت ظهر الإعراض، وسرت بقلب الغفلة، وبنفس الشهوة بعيداً عنه سبحانه وتعالى؟