أيها الإخوة المؤمنون! ننتقل معاً إلى حيث يجتمع الحجيج على صعيد عرفات، حيث ترفع الدعوات، وتسكب العبرات، حيث تلغى الطبقات، وتزول العصبيات والنعرات، على صعيد عرفات حيث تتوحد الأهداف والغايات رغم تباين الألوان واختلاف اللغات، على صعيد عرفات حين تهفو القلوب إلى خالقها وبارئها، وحين ترتفع الأكف إلى معطيها والمنعم عليها، حينما يتجرد المسلمون من كل حول وطول إلى حول الله وقوته، حينما يرى المسلمون حقيقة ضعفهم وفقرهم، فيلجئون إلى قوة الله، ويلتمسون عطاءه من غناه، حينما يعرف المسلمون أنهم ضعفاء لا حول لهم ولا طول إلا أن يمدوا أيديهم، ويصلوا حبالهم برب الأرباب وملك الملوك سبحانه وتعالى، على صعيد عرفات حينما يتجرد المسلمون من الدنيا ويتعلقون بالآخرة، حينما يعرفون حقيقة الدنيا وأنها دار مقر لا دار ممر، حينما يستشعرون المشهد العظيم، والحشر العظيم، والهول العظيم في يوم القيامة:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:٦]، إنه يوم من أيام الله العظيمة، إنه مشهد من المشاهد التي تحيي القلوب الميتة، وتوقظ العقول الغافلة، وتحيي الأنفس التي كثر عليها الران، وانشغلت بالدنيا، وضربت عليها الغفلة.
إنه يوم من أيام الله عز وجل يجمع فيه عباده على صعيد واحد، متجردين من دنياهم، متوحدين في شعارهم، متوحدين في مقاصدهم ومطالبهم، ولذلك نشهد في هذا المشهد العظيم ما نحتاج إلى تذكره، والاتعاظ به، ودوام الإفادة منه لعل الله عز وجل ألا يحرمنا الأجر والثواب، وألا يحرمنا من فيض عطائه لأهل الموقف الذين اجتمعوا بقلوب خاشعة، وأعين دامعة، وأنفس ضارعة لله سبحانه وتعالى.