تلك كانت خطبتها رضي الله عنها وأرضاها، وعندما تزوجها علي -كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب- كان عمرها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وكان عمر علي واحداً وعشرين عاماً على الصحيح في هذه الروايات، وكان هذا الزواج في رجب بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقدمه المدينة بنحو خمسة أشهر، ثم بنى بها -أي: دخل بها- بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، وأخطأ من قال: إن البناء كان بعد يوم أحد؛ لأن القصة فيها أن حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم نحر شارفين في وليمة عرس علي رضي الله عنهما.
فهذه قصة زواج فاطمة رضي الله عنها، فكيف جهزت؟ وما كان مهرها؟ وكيف كانت وليمتها؟ وكيف كان بيتها وجهازها؟ ثم كيف كانت عيشتها ومسيرتها في حياتها؟ أما المهر فالروايات متكاثرة في أنه عندما خطب علي رضي الله عنه وتقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(والله ما لي من شيء.
فقال: وكيف؟ قال: فذكرت صلته وعائدته علي -يعني: فضل النبي عليه الصلاة والسلام عليه- فتجرأت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها؟) أي: ما تعطيها من المهر؟ فمن هذه الممهورة؟ ومن هذه المخطوبة؟ هي بنت محمد صلى الله عليه وسلم فقال:(يا رسول الله! ما عندي ما أصدقها) ليس عند علي مهر، قال:(ولم يكن يومئذ صفراء ولا بيضاء)، لا ذهب ولا فضة عند علي ولا عند غيره إذ ذاك في أول الهجرة وفي مطلع الشدة حين كان المسلمون في شدة كبيرة.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أين درعك الحطمية؟)، وهي درع أعطاها له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر، و (الحطمية): نسبة إلى بطن حطم بن محارب كانوا مشتهرين بصناعة الدروع، وقيل: الحطمية التي تحطم السيوف، وقيل: الثقيلة الحصينة.
قال:(أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي يا رسول الله، قال: أصدقها إياها، فباعها بأربعة وثمانين درهماً فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاها بلالاً وقال: اجعلوا ثلثيها في الطيب، وثلثاً في المتاع)، وهذا من فقه النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بطبائع النساء، أمرهم أن يجعلوا ثلثيها في الطيب وثلثاً في المتاع واللباس وغير ذلك، فهذا كان مهر سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها وأرضاها، فما بال من يغالون في مهور بناتهم؟ أيظنون ذلك منقبة وشرفاً؟! أيظنونه تعظيماً لمقام بناتهم؟! لو كان ذلك كذلك لكان الأحق به بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد توليت عقد نكاح فذهبت أكتب هذا العقد لأصحابه، فرأيت عقداً قبله والمهر مسطور فيه بمائة ألف، فقلت: يا للعجب! وما ينفع ذلك أو يفيد؟! ونرى أننا بهذا نسد كثيراً من أبواب الحلال ونفتح أبواباً ونيسر طرقاً للحرام، وقد نكون بذلك آثمين، وقد يكون الآباء في هذا ممن يعضلون بناتهم، وممن يكون عليهم وزر في هذا إذا فاتها قطارها، وتأخر عنها حظها من بعد، فهذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مهرها.