لأن الله سبحانه وتعالى أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، ونحن نحب الإنسان إذا وجدناه بنا رحيماً، وعلينا شفيقاً، ولنفعنا مبادراً، ولعوننا مجتهداً، حينها نحبه من أعماق قلوبنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أعظم من رحمنا ورأف بنا، وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨].
ولو أردنا أن نذكر أمثلة لذلك لطال بنا المقام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث كان يقول:(لولا أن أشق على أمتي)، وهناك كثير من الأحاديث التي ورد فيها رقته ورحمته بأمته كما ورد في وفد مالك بن الحويرث وقومه لما جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قالوا: كنا شبية متقاربين، فمكثنا في المدينة نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الراوي: فلما رأى أنا قد اشتقنا لأهلنا -وكان أرحم بنا من أنفسنا- قال:(ارجعوا إلى أهليكم، وليؤمكم أكبركم، وعلموا من وراءكم) رحمة منه بهم عليه الصلاة والسلام، وكان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلاته رأفة وشفقة على قلب أمه به، وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلاة والسلام.
في يوم حنين قسمت الغنائم، ووجد بعض الأنصار في أنفسهم شيئاً؛ لأن الرسول لم يقسم لهم وقسم للمؤلفة قلوبهم، فلما جاءهم إلى مكانهم ذكر لهم عليه الصلاة والسلام بعض فضله عليهم بما فضله الله عز وجل عليهم، قال:(ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ ثم ذكر غير ذلك وكله يقول فيه: ألم آتكم؟ ألم آتكم.
ثم قال: (أجيبوني) فسكت الأنصار، فقال:(أما لو شئتم لقلتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك.
ثم قال: ألا ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس شعار والأنصار دثار، لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، فبكى الصحابة حتى اخضلت لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً) وهذا من أعظم ما يظهر فيه كذلك من أثر أو داعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم.