للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوض فيما لا يعني والجدال والمراء]

هناك صور كثيرة عند الشباب الذين هم في مقتبل العمر وفي أول الابتداء، ومن هذه الصور الحديث فيما لا يعني، فكم تجد طفلاً صغيراً ينتطح بين الكبار، أو غراً جاهلاً يدخل في المسائل العويصة، أو يسأل عن أمور لم تقع، أو عن مشكلات لا حاجة له إليها، فهو يصرف نفسه عما هي أهل له وعما هي محتاجة إليه إلى غير ذلك مما لا ينبغي له، وفي الحديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).

وعن ابن عباس في وصيته لرجل أنه قال: (لا تتكلم بما لا يعنيك فإن ذلك فضل، ولست آمن عليك الوزر، ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً، فرب متكلم في غير موضعه قد عنت، ولا تمار حليماً ولا سفيهاً؛ فإن الحليم يقليك -أي: يهجرك- والسفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه، ودعه مما تحب أن يدعك منه، فإن ذلك العدل، واعمل عمل امرئ يعلم أنه مجزي بالإحسان ومأخوذ بالإجرام).

وقال مورق العجلي: أمرنا بأمر أنا أطلبه منذ عشرين سنة لم أنله ولست بتاركه فيما أستقبل.

قيل له وما هو؟ قال الصمت عما لا يعني.

وكتب أحدهم لـ يونس بن عبيد الله يسأله عن حاله: كيف أنت؟ فكتب له يونس كتاباً قال فيه: أما بعد: فإنك كتبت إلي تسألني: كيف أنا وكيف حالي.

فأخبرك أن نفسي قد ذلت لي بصيام اليوم البعيد في الحر الشديد، ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا يعني.

وهذه قصص فيها عبرة وحكمة وقد جاء رجل من أهل البصرة إلى عبيد بن عمير وقال له: إني رسول إخوانك من أهل البصرة.

قال: وإنهم يقرءونك السلام ويسألونك عن أمر هذين الرجلين علي وعثمان رضي الله عنهما - وكان هذا بعد استشهاد علي وعثمان بوقت طويل- ما قولك فيهما؟ فقال: هل هناك شيء آخر؟ قال: لا.

فقال: جهزوا الرجل.

فلما جهزوه وفرغوا من جهازه.

قال: اقرأ عليهم السلام وأخبرهم أن قولي فيهم هو قول الله عز وجل: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:١٣٤].

وكما أثر عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: تلك فتنة طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا.

وأخيراً الجدال والمراء، فقد كثرت في مجالس الشباب المماراة والمجادلة، فيدخلون في حال الإنسان يسألونه ويجادلونه ويناقشونه حتى يخرج عن طوره، فيقول ما لم يكن يحب أن يقول، فيخطئ حيث أراد أن يصيب، أو يقع بينهم نوع من الفرقة والشحناء، وهذه صور فيها انحراف للكلمة عن مسارها، والصور أكثر مما ذكرت، وحسبي الإشارة؛ فإن الحر تكفيه الإشارة عن صريح العبارة.