للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعليم كمنظومة متكاملة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.

أما بعد: أيها الأحبة! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، هذا موعدنا مع الدرس الثامن والعشرين، وهو بعنوان: غداً الاختبارات، وقد جاء توقيت الدرس مناسباً؛ لأنه بالفعل غداً تبدأ الاختبارات، وسيكون الموضوع منقسماً إلى مقدمة، ثم إلى فقرات ثلاث: أولها: ما يتعلق بالطالب، وفيه أيضاً موضوعات: سمات الطالب المسلم، وطريقة المذاكرة ومشكلاتها، والاختبارات، والإجابة على الأسئلة.

ثانيها: المدرس ودوره في العملية التعليمية، ووضعه للأسئلة، وتصحيحه لها.

ثالثها: ما يتعلق بقضايا متفرقة حول التعليم.

ونبدأ بالمقدمة، وأردت من خلالها النظر إلى أهمية قضية التعليم من وجوه متعددة.

أولاً: نشرت صحف الأمس أن نحواً من مليونين وأربعمائة ألف طالب وطالبة سيتقدمون لإجراء الاختبارات في يوم غد -بإذن الله سبحانه وتعالى-، وإذا حسبت وتصورت هذا العدد، وعرفت أن وراءهم أسراً تنفق عليهم، وإدارات للتعليم تعد المناهج، ومدرسون يدرسون، وسياسة تعليمية، ومتابعة تقويمية؛ لعرفت أن قضية الاختبارات ليست سؤالاً وجواباً، بل هي جزء من قضية كبرى في حياة المجتمع والأمة.

ثانياً: العلم ركيزة أساسية في بناء الحياة، وما زال تأثيره ودوره يتضاعف كلما تقدمت البشرية في أسباب الحياة المدنية، وكلما ارتادت آفاقاً جديدة من آفاق الاكتشاف والتصنيع والاستنباط والاجتهاد في حلول مشكلات هذه الحياة، وبالتالي فإنه في ظل هذا السباق نحو تحصيل أسباب الحياة المادية بالسبل والطرق العلمية ليس هناك مكان لأمة متكاسلة لا تدفع أبناءها إلى تحصيل العلم، ولا تحفزهم لنيل قصب السبق فيه، وتجاوز المراحل المعتادة إلى المراحل المتقدمة، ومن هنا تظهر أهمية العملية التعليمية من كل جوانبها، وبجانبها المدني للأمة المسلمة التي تعاني تخلفاً وتأخراً كبيراً في هذا الميدان.

ثالثاً: ينبغي أن نعلم أن الارتقاء بالعملية التعليمية ليس أمراً مستقلاً بذاته، بل هو جزء من الارتقاء في جوانب الحياة كلها، فإنه لا يمكن أن ترتقي الأمة في مستواها التعليمي وهي متخلفة أخلاقياً، وهي متأخرة إدارياً، وهي تعاني من فساد أنظمة الحكم، أو تعاني من شظف العيش، فإن جميع جوانب الحياة تتكامل وتتناسق لتؤدي بعد ذلك إلى صورة متقابلة متوازية من الارتقاء والتكامل؛ ولذلك يجب أن نعلم أنه لا ارتقاء في المستوى التعليمي ولا للعملية التعليمية إلا في ظل إصلاح شامل، وتكامل يستوعب جميع الجوانب، ولعل أولها وأبرزها وأهمها: الارتقاء الإيماني الذي يقوم سائر جوانب الارتقاء، ويربطها بالطهر والنقاء، وينظمها في سلك البذل والعطاء، ويعصمها من البغي والاعتداء، فإن العلم المجرد من ضوابط الإيمان وأخلاقياته كثيراً ما يقع به فساد في الأرض، وضرر على الإنسان؛ لأن العلم ما لم يضبط بإيمان وأدب وخلق فإن مضرته كثيراً ما تكون أكثر من منفعته.

رابعاً: أن كل هذا العمل -أي: الارتقاء في الجانب التعليمي على وجه الخصوص والجوانب الأخرى كلها- يحتاج إلى إيجاد الفرد الذي هو المقصود الأول والهدف الأعظم في هذا الارتقاء، فنحن حينما نقول: مناهج تربوية دراسات شرعية دراسات علمية جوانب أخلاقية نريد أن يتشكل في هذا الفرد، ولا تتم العملية إلا من خلال هذا الفرد، ولذلك لابد من إيجاد الفرد الذي يتحلى بقابليته للتلقي، واستعداده للتفاعل، وأهليته لتجاوز مرحلة الاجترار إلى مرحلة الابتكار، تكفينا الدهور والسنوات الطويلة المتعاقبة التي ظللنا نجتر فيها أقوالاً قديمة، وعلوماً تأتينا من الشرق والغرب ليس لنا فيها إلا أن نحفظها وأن نكررها ونمارسها بالقدر الذي يسمح لنا به، ويفرض علينا في كثير من الأحيان.

خامساً: أهمية التعليم خطيرة جداً، وعظيمة جداً؛ لأن مناهج التعليم هي التي تصوغ الأفكار، وتشكل جيل المستقبل؛ فإنك تجد أن أية دولة وأية فكرة وأي مبدأ أول اهتماماته عندما تفضي إليه الأمور وتصبح مقاليدها بيده؛ هو مناهج التعليم، فإذا جاءت دولة شيوعية فأول قضية تفرغ لها جهدها أن تؤلف وتنشأ مناهج جديدة تخدم الفكرة وتؤصلها وتعرقها وتعمقها في قلوب الناس، وهكذا فلذلك ليست قضية التعليم هي الاختبار أو السؤال، وإنما هي وحدة متكاملة من أساسياتها: السياسة التعليمية، والإدارة التعليمية، والمناهج التعليمية.

وكل هذا لا يكفي، بل ينبغي أن يوجد المدرس الذي ينفذ هذه السياسات ويحقق أغراض وأهداف هذه المناهج، ولابد من وجود الطالب الذي يتقبل ذلك ويتفاعل معه، ولذلك فإن عملية التعليم تعد أولى أولويات المجتمع والدولة في أية بقعة من بقاع الأرض، وهي كذلك سبب من أسباب درأ كثير من وجوه القصور والنقص؛ لأن التعليم والعلم مفتاح لكثير من الأبواب، سواءً في أبواب العمل، أو الصناعة، أو التجارة، أو درأ التخلف في صور اجتماعية وعادات وتقاليد وغير ذلك، وكثيراً ما يكون التعليم هو الباب الذي تفتح به هذه المغاليق، وتحل به هذه المشكلات.