للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور الإعلام في انتكاس الموازين واختلال المفاهيم عند كثير من الناس]

وأزيدكم في ذلك خسائر أكثر وأكبر، ومن هذه الخسائر: انتكاس الموازين، واختلال المفاهيم.

وتلك قضية كبرى من القضايا التي يمارسها الإعلام المنحرف في بعض تلك الفضائيات، ليس مجرد تطبيع المنكر، والرضا به، والتأقلم معه، وعدم إنكاره، وعدم الحياء منه؛ كلا! فتلك مرحلة قد مضت، وذلك إدمان قد سرى وجرى؛ لكن الأمر اليوم هو أن نلبس ذلك المنكر لباس المعروف، وأن نعطيه صفة المشروع، وأن نجمع بينه وبين أمور مهمة عظيمة؛ ففي الوقت الذي يكون فيه هذا الاختلاط، وهذا العناق، وتلك الخلوات، وتلك الكلمات نجد أباً يتصل -كما تابعت في بعض الأخبار- على الهواء مباشرة في ذلك البرنامج، ويوصي ابنته بالمحافظة على الصلاة! وكأن المحافظة على الصلاة أمر لا يتعارض ولا يختلف مع كونها ترقص وتغني وتكشف عن يديها وذراعيها وساقيها، وتحتضن هذا أو تقبل ذاك!! ليكون لنا إسلام حديث، ومفاهيم مرنة وواسعة! لقد ضيقتم الواسع أيها المتزمتون! إن عقولكم المتحجرة لم تستوعب بعد حضارة الإسلام الذي يمكن أن يصلي هنا، وأن يشرب الخمر بعد التسليمة الثانية هنا! ويمكن أن يسجد أو يقرأ القرآن هنا ثم يتلو من الغناء ما فيه الفسق والفجور المضاد لآيات الله عز وجل!! إنها قضية خطيرة! ومع ذلك شهادة التوحيد (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ترفع في تلك المواطن للدلالة على النصر أو الفخر!! عجباً لمثل هذا كيف يفوت الناس أن يدركوا أنه خطر عظيم وشر كبير وبلاء مستطير؟! إن الناس اليوم بدءوا يتأثرون بذلك، فلا على أحدهم أن يصلي من هنا، وأن يقارف ما لا شبهة في حرمته من هناك، وأن يجمع بين هذا وذاك، ولا يرى شيئاً من غضاضة! ونجد مثل هذا -وللأسف الشديد- كثيراً.

إن قضية مفهوم الدين في سموه الخلقي وفي صياغته للشخصية الإسلامية لا يقتصر على أن يؤدي فريضة من الفرائض وحدها، إن ذلك ينعكس -كما أشرنا سابقاً- بأن الإيمان يصبغ صبغة تنعكس في الجدية والاهتمام والخلق والسلوك والأمانة والترفع عن المحرمات، إن صياغة الإسلام والإيمان صياغة متكاملة لا تقبل هذا التشويه والتشوه.

إن مثل هذه الصورة أشبه بالمولود الذي يخلق ناقصاً، ولا ترى فيه سمتاً ولا صورة الخلق الكامل للإنسان السوي.

إنه تشويه حقيقي عندما يكون القائم به مسلماً عربياً، ثم يظهر ذلك ويبينه، ويخبر بأنه قد قام بالدعوة إلى الله، وأثَّر في غيره بأن ذكره بالله، وكأن التذكير بالله لا يتعارض مع شيء من ذلك كله!!