طهارة القلوب ونقاؤها أمر عظيم، كم في القلوب من ظلمة سوداء من أثر المعصية! كم في القلوب من مشاعر حسد ومشاعر منافسة بين أهل الإيمان لا تنبغي ولا ينبغي أن يكونوا عليها؟! فهذه صورة كبيرة، فكيف تتطهر قلوبنا؟ طهارتها هي الطريق إلى العفة عن المحارم، والبعد عن المآثم، تلك هي الطريق التي بها تشرق أنوار القلوب، روى حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء.
وأيما قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى يصيرا على قلبين: أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) نكتة سوداء من منكر أو معصية، ثم أخرى وليس ثمة استغفار ولا توبة، فلا جلاء ولا نقاء ولا صفاء، فما تزال النقاط السوداء حتى يظلم القلب نسأل الله عز وجل السلامة.
وإشراقة القلب تكون باجتناب المعصية، فإنه صقل وتطهير لذلك القلب:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب:٥٣] طهارة القلوب عفة الجوارح، غض بصر، وإغضاء سمع، وإمساك لسان، وضبط جوارح، كل ذلك يؤدي إلى تلك الطهارة وذلك النقاء؛ لأن أي انحراف إنما مصبه ومرده إلى القلب، العين تنظر إلى المحرم والقلب يظلم، الأذن تسمع إلى الإثم والقلب يظلم، الأيدي تأخذ ما لا يحل والقلب يظلم، فما يزال يظلم ويظلم حتى تنطمس أنواره، نسأل الله عز وجل السلامة.
روى النسائي في سننه من حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد) وفي رواية أخرى عند النسائي في سننه وعند أحمد في مسنده: (الشح والإيمان) تلك المشاعر التي نخرج بها اليوم أموالنا، والتي نبذل فيها مشاعرنا من المحبة هي نوع من التعليم والتعويد والتربية والتزكية للقلوب لتخرج منها تلك الأوضار وتلك الأقذار وتلك الأكدار التي هي شح أو حسد، أو هي ظلمة من آثار تلك المعاصي، نسأل الله عز وجل السلامة.