ومن علامات محبته عليه الصلاة والسلام تمني رؤيته والشوق إليه، وقد كان ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأوه لكنهم إذا افتقدوه اشتاقوا إليه، وهذا الشوق شوق حقيقي، ويعلم من كان يحب زوجته وأبناءه كيف يكون حاله إذا اغترب عنهم، إذا أراد أن يخلد إلى نومه تجلت له صورهم، وتذكر أحوالهم، وكأنما يسمع أصواتهم في أذنيه، ويراهم يتلاعبون ويتحركون بين يديه، وما تزال زفراته تتابع وعبراته تتوالى شوقاً إلى لقياهم، فإذا التقى بهم ربما طاش عقله وتخلى عن وقاره، فهفا إليهم معانقاً ومحباً، تلك بعض مشاعر المحبة في درجة الدنيا، وأعظم من هذه الدرجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في محبته، كما روى مسلم:(من أشد الناس حباً لي ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وبلال رضي الله عنه قصته شهيرة يوم ذهب إلى بلاد الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان بلال يبكي ويقول: لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أراد أن يؤذن فإذا جاء لقوله:(أشهد أن محمداً رسول الله) تخنقه عبرته فيبكي رضي الله عنه، فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين، ورجع بعد سنوات، ثم دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحان وقت الأذان فأذن بلال، فبكى وأبكى الصحابة بعد انقطاع طويل غاب فيه صوت مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذكروا بلالاً وأذانه، وتذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر في هذا يطول.
وكان رضي الله عنه عند وفاته تبكي زوجته بجواره فيقول:(لا تبكي؛ غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه) فكان يشتاق للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واحد من المبشرين بالجنة كما ثبت ذلك في الحديث لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(يا بلال! ما تصنع لربك؟ قال: لا شيء إلا أني إذا أحدثت توضأت، وإذا توضأت صليت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشة نعليك) وهكذا روي عن حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين، وذكر القاضي عياض في (الشفا) أنه قال كل منهم: غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه وهذا الشوق في حياة الصحابة يظهر لنا صور محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.