[كيفية تحصين الأفراد والبيوت والمجتمعات من الأخطار]
نوجه الدفة إلى تدارك الأمر، وإلى تحصين أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا: أولاً: لابد أن ندرك هذه الحقيقة، وهي أن الحياة دين وعقيدة، وإيمان وإسلام، وليس في الحياة تجارة ولا مال ولا زوجة ولا أبناء ولا علاقات ولا صلات، إنها قبل ذلك ومع ذلك وبعد ذلك حياة إيمان وإسلام واعتقاد، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم:٣٠] إنه توجيه رباني، ومثله قوله جل وعلا:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[الروم:٤٣ - ٤٥]، فهذه هي حقيقة الحياة.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}[الروم:٤٣] أي: يتفرقون وينقسمون، {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[الروم:٤٤] ثم الجزاء بالحسنى لمن آمن وعمل الصالحات، والجزاء بالسخط والعذاب لمن أبى ذلك وأعرض عنه.
قال السعدي في تفسير قوله جل وعلا:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ): أقبل بقلبك، وتوجه بوجهك، واسع ببدنك لإقامة الدين بجد واجتهاد، وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة، وبادر زمانك وحياتك وشبابك من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.
فتأمل هذه الكلمات: أقبل بقلبك، واسع ببدنك، وتوجه بوجهك، أي: كل حياتك مرتكزها ومحورها ومربط فرسها دينك وإيمانك واعتقادك.
وقال ابن عطية في تفسيره: إقامة الوجه هو تقويم المعتقد، والقوة على الجد في أعمال الدين، والمعنى: اجعل قصدك ومسعاك للدين، أي: لطريقه ولأعماله واعتقاداته.
وقال تعالى:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}[البقرة:١٣٨] إن أمة الإسلام لها صبغة، ولها سمت، ولها مزية، إنها أمة إيمان وإسلام ودين يصبغ حياتها في كل شيء بدءاً من خفقة القلب، ومشاعر النفس، وخطرة العقل، وكلمة اللسان، وحركة الجوارح، إلى علاقات المجتمع، وإلى جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية والعسكرية، وغيرها، ذلك هو سمت الإسلام وحقيقة الإيمان، وكم من أمة قد ضيعت دينها، وحُرف من قبل أحبارها ورهبانها، وأعلنوا في دساتيرهم أن أديانهم وراء ظهورهم وإن كانوا يقدمونها في واقع التطبيق العملي في زماننا الحاضر.
ودعك من قوم يرددون مقالهم، ويكتبون في صحفنا، ويظهرون على شاشاتنا، ويتصدرون في مؤتمراتنا ليقولوا لنا: دعوا الدين في المساجد واجعلوه في تمتماتكم وأذكاركم ودعواتكم! وخلوا بيننا وبين الدنيا العريضة الواسعة نسرح ونمرح فيها بلا خطام ولا زمام ولا إيمان ولا إسلام، ولا أحكام ولا تشريعات ولا حلال ولا حرام! ودعوا المرأة تأخذ حريتها، أي بالفسق والفجور والمجون! ودعوا الاقتصاد يتحرر من قيد الدين ليكون رباً وقماراً وغشاً وخداعاً! ودعوا السياسة تنطلق من مبدأ المصالح لتكون خيانة ونفاقاً ومؤامرة! ودعوا الحياة كلها لتصبح أكثر شيء فساداً وأعظمه ضرراً، وأشده خطراً، وأكثره ضياعاً لحقوق الإنسان، وحقوق الأديان، وحقوق الأبدان! فأول أمر في تدارك الخطر أن نعرف موقع الدين في حياتنا، وموقع الإسلام والإيمان من قلوبنا ونفوسنا.