ووقفتنا الأخيرة: الحديث عن الدور الحقيقي لهذه الأم في تلك المملكة التي تحدثنا عنها، وهنا أقسم الحديث إلى قسمين: الأول دورها العام بشكل مجمل في البيت والأسرة.
الثاني: الدور التربوي المفصل الذي يتناول تربية الأطفال في المجالات المختلفة.
أما دورها الأول فهو دور السكن للجميع، هذه المرأة ليس دورها لأطفالها فحسب، بل دورها أوسع لزوجها ولأطفالها، ولجو الأسرة كله، اليوم نرى التشنج والتوتر، نرى الصراخ والنزاع والشقاق، نرى الأبناء وهم يعيشون في أجواء من الخصومات الزوجية لأن المرأة لم تع دورها، ولم تقم برسالتها، يقول الله عز وجل:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:٢١] ويقول الحق سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:١٨٩] تهيئة الأجواء العامة، أجواء الهدوء والسكينة، أجواء المحبة والمودة، أجواء التعاون والتكامل، أجواء الروح التي تسري من قلب هذه الأم إلى زوجها، فتشيع فيه المحبة والعطف والقرب والتلاحم، وإلى أبنائها فتشيع فيهم الحنان والعطف والرعاية الكبيرة العظيمة، وإذا بهذه الأسرة جنة من جنان الله عز وجل في الأرض لا تكاد ترى فيها نزاعاً ولا شقاقاً، تلك البيئة تصلح حينئذ أن تكون بيئة تربية، وتصلح حينئذ أن تكون بيئة من اللبنات القوية في بنيان المجتمع مهما وجهت لها من سهام الأعداء غزواً فكرياً أو انحلالاً خلقياً، أو ضغطاً أو نحو ذلك، فإنها تكون بإذن الله عز وجل كالصخرة الصلبة التي تتكسر عليها السهام والنصال.
الجانب الثاني: الإدارة الناجحة، المرأة هي الحاكمة في بيتها بحسن تدبيرها ورعايتها، وذلك في وجوه كثيرة من أهمها: تنظيم الأوقات والأغراض، بعض النساء وخاصة من تخرج من بيتها كثيراً لغير فائدة فإنك تجد أن الوقت عندها مضيع، والأغراض مبعثرة، وأنه ليس هناك دقة في أوقات الطعام، ولا في أوقات المنام للأطفال وغير الأطفال، فتجد حينئذ جواً من الفوضى والاضطراب يسود ذلك المنزل.
ومن جهة أخرى: استغلال الفرص والأحداث، هذه الأم الحكيمة المربية، وتلك الزوجة العاقلة الراعية تحسن عند كل حدث من الأحداث -اجتماعية كانت أو اقتصادية خاصة أو عامة- أن تدبر، وأن ترتب، فإذا ضاقت ذات يد الزوج أحسنت استغلال الفرص، وأحسنت تربية الأبناء وتذكيرهم بالنعم، وتذكيرهم بحال غيرهم ونحو ذلك، وإذا جاءت حالة أخرى لبست لها لبوسها، وإذا جاء حادث وفاة ذكرت، وإذا جاء حادث فرح بينت ونحو ذلك، فيكون لها الدور الكامل في مثل هذا.
وأخيراً تؤدي دور التكامل والتعاون مع الرجل في نوع من الوفاق والملاءمة الكاملة، ونحن إنما نشير بذلك إشارات، والأمثلة في تاريخ أمتنا كثيرة.
ثم إذا نحن نظرنا إلى التفصيل فذلك موضوع يحتاج إلى بيان أكثر، وهو تفصيل تربية الأبناء إيمانياً وعبادياً وخلقياً وفكرياً ونفسياً، وذلك ما نجعل له حديثاً مستقلاً، نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا، وأن يلهمنا كتاب ربنا، وأن يربطنا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل أزواجنا أمهات مربيات، وزوجات صالحات، وبنات بارات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.