ثم بعد ذلك يبقى له أيام التشريق الثلاثة؛ وليس فيها من عمل من أعمال وأنساك الحج إلا رمي الجمار في كل يوم ثلاث رميات، يبدأ بالصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، ويسن له بعد رمي الأولى أن يتنحى قليلاً وأن يتوجه إلى الكعبة وأن يدعو الله عز وجل، وكذلك يفعل بعد الجمرة الوسطى، وأما الكبرى فإنه لم يثبت بعدها عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء، وكذلك يفعل في اليوم الثاني، وهو يوم الثاني عشر.
وقد رخص بعض أهل العلم عند الزحام الشديد أن يرمي قبل الزوال إذا احتاج إلى ذلك، والسنة الثابتة أن يرمي بعد الزوال؛ فإن أراد التأخر إلى اليوم الثالث فهو أفضل لتعظيم الأجر وزيادة الثواب إن شاء الله عز وجل؛ لأن الله قال:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:٢٠٣]، فإنه يجوز له أن يعجل ويجوز له أن يتأخر، فإذا تأخر ينبغي أن يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث كذلك، وبذلك يتم حجه بإذن الله عز وجل، ويكون أدى الأركان الأربعة وهي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، وسعي الحج، ويكون قد أدى أيضاً الواجبات من المبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمار، وهذه كلها ينبغي ألا يترخص فيها وألا يفعلها على جهل، فإن بعض الناس يرمي مرة واحدة للأيام الثلاثة في مكان واحد، أو يرمي بطريقة مختلفة حيث يبدأ بالكبرى قبل الصغرى وهكذا، فإن هذا كله قد يفسد عليه أداء واجب من واجبات الحج.
وينبغي أيضاً أن يتنبه الحاج إلى المعاني الإيمانية والتربوية في هذه المناسك الكثيرة، فإن الذبح والأضحية قد مضى معنا في الجمعة الماضية وفي قصة إبراهيم خلال أسابيع سلفت ما فيها من المعاني التي يتذكرها المؤمن، من أنه ينبغي أن يتذكر استسلامه لله عز وجل، وأن أمره كله موكول إلى أمر الله سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب:٣٦]، وأن يتذكر أنه ينبغي أن يعود نفسه أن يضحي وأن يبذل كل شيء ما دام في سبيل الله عز وجل.
ورجم الشيطان أو رجم الجمار تذكير واستعانة بالله على حرب الشيطان، متحقق من عداوته إياه، وعارف بترصده له في طريقه إلى طاعة مولاه، فينبغي أن نحقق هذه المعاني كلها، وأن نتذكر وحدة المسلمين.