[المشروع الخامس: المقاطعة الآمنة]
ماذا نريد أن نقاطع لكي نأمن وندفع الشرور والأمراض والمشكلات الكثيرة؟ أنا أدعو أن يكون شهر رمضان شهر مقاطعة لوسائل الإعلام الفاسدة، ومعلوم أن الغالبية العظمى منها خاصة الآتي عبر الفضاء هي كذلك، وكلنا يعلم هذه الخصيصة البغيضة التي جعلوها لشهر رمضان خصيصة الفوازير، والقضية هل هي سؤال للمعرفة وللثقافة ولزيادة الاطلاع؟ خذوا صورة تعرفونها من يقدم الفوازير؟ لا بد أن تكون المقدمة الرئيسية امرأة أو فنانة، حتى ولو أن هناك رجلاً، لكن لا بد أن تكون هي موجودة، وفي الحلقة الواحدة تظهر بعشرة فساتين، وبعشر تسريحات للشعر، وبأكثر من عشر رقصات مع عشرة من الرجال،
و
السؤال
أين هي الثقافة والمعلومة المفيدة؟ وكم في ظل ذلك من الفساد! وكم من الأثر السيء! وكم من ارتكاب للحرام حتى نأخذ هذه الفزورة، أو هذا اللغز! وهل جعل رمضان لكي نشغل أنفسنا بالألغاز؟ كأننا فارغون وهناك من يريد أن يملأ فراغنا، كما كان يقول الشيخ كشك رحمه الله: سلِّ صيامك فصيامك فيه ملل، ونريد أن ندخل عليه التسلية.
كل عام هناك مسلسلات خاصة في رمضان ماذا تقدم لنا في غالب الأحوال؟ هل تقدم فضائل الأخلاق، أو مكارم الخصال، أو تنبه على الخلل؟ كثير مما تعلمونه، وتكون في كثير من الأحيان في أفضل الأوقات المهمة وقت الإفطار، فبدلاً من أن تذكر الله أو ترتاح لتستعد للصلاة تأتيك هذه المسليات والمرغبات من هنا وهناك، واليوم لم يعد الوقت مع هذه الفضائيات محدداً ففي وقت الإفطار يبثون ما يمكن من المشاهد؛ لأنها لا تراعي حرمة للشهر، أو أن التوقيت مختلف، فكثير من الفضائيات العربية تصوم في النهار وتفطر في الليل، وتعرفون ما معنى صيامها في النهار؟ وما معنى فطرها في الليل؟ صيامها في النهار تأتي بالقرآن وبرامج دينية في وقت العمل والنوم، وإذا جاء الليل جاء معه ما تعلمون، لكن نهار أولئك ليس مثل نهار هؤلاء، فيأتيك في الليل والنهار ما هو جارح للصيام.
أسأل سؤالاً واحداً: ما الذي سينقص عندما نقاطع هذه الشاشة لمدة شهر رمضان؟ سوف نرى أثر ذلك سلامة من أمراض القلوب، وأمناً من وهن النفوس، واطمئناناً لرشد العقول، وعدم وجود أنواع من الخلل تتسرب إلى أبنائنا من مشاهدات كثيرة سيئة.
سيقول بعضنا: وكيف تملأ الأوقات؟ وكأننا كما قلت: ليس عندنا اهتمام ولا عناية، وكأننا لا نعرف أين نحن وفي أي زمان نحن؟ بمعنى: لا نعرف أننا في رمضان، وأننا في موسم الطاعة، وأن مهما اغتنمنا من الوقت في الطاعات فإنه قليل، وأذكر لكم ما ذكره ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة الإمام الشافعي -وارجعوا إليها- يقول: إن الإمام الشافعي رحمه الله ختم القرآن في رمضان ستين ختمة.
أعلم أن بعضاً منكم سوف يقول: هذا مستحيل، أنا أقول لكم ما قال ابن عساكر: يقول ابن عساكر -وانتبهوا إلى هذا الكلام-: فحاولت ما حاول الشافعي فلم أستطع إلا تسعاً وخمسين ختمة.
إذاً المسألة ليست خيالاً، فنحن نقول: ماذا سنصنع إذا لم نشاهد التمثيلية، ونشاهد المسابقة؟! سبحان الله! عجيب أن نفكر بهذا، لكن أقول: خذوا بدائل، لماذا لا تشغلوا الأبناء ببعض الأمور النافعة؟ رسوم خاصة موجودة أو مبتكرة خاصة برمضان مثل صورة الإفطار يلونها الأبناء، أو صورة للتمر والنخل، أو صورة لمعركة بدر يلونها، فإنه سيكتسب من ذلك شيئاً مفيداً، والصغار إذا وجههم الآباء توجهوا، ويمكن بسهولة جداً أن يتوجهوا إلى أمور يرون فيها متعة، ويرون فيها قضاء للوقت، لماذا هم الآن متعلقون بمشاهدة الشاشة الفضائية؟ لأنهم وجدوا فيها المتعة وليس عندهم غيرها.
أوجد بدائل أخرى: اجعل لوحة كبيرة في حائط المنزل، واطلب من الأبناء كل يوم أن يختار الواحد منهم شيئاً يكتبه بنفسه ويعلقه أو يقصه من جريدة أو مجلة، أو يختار صورة معبرة ومؤثرة ومفيدة، سوف تجد أن هناك وقتاً كثيراً، سوف يضيق عن تنفيذ مثل هذه المشروعات، وذكر الصغار بأن يبحثوا أو يقرءوا وقل لهم: أريد من كل واحد منكم أن يأتيني بقصة لبعض العلماء أو الأئمة أو أسلافنا الصالحين لمن هو في مثل عمره، مثل قصة أنس بن مالك عندما قدمته أمه للنبي عليه الصلاة والسلام ليكون خادمه وكان عمره عشر سنين، وعاش في بيت النبوة عشر سنين منذ نعومة أظفاره.
قل لابن العاشرة: اقرأ سيرة أنس وائت وقصها على بقية إخوانك، ابن الرابعة عشرة والخامسة عشرة دعه يأتيك بقصة عبد الله بن عمر يوم رد في أحد، وقصة سمرة بن جندب ورافع بن خديج يوم تصارعا حتى يذهبا إلى الجهاد في يوم أحد.
اجعل ابن الثامنة عشرة والتاسعة عشرة يأتيك بقصة أسامة بن زيد يوم تولى الجيش، اجعل هناك منافسات وأشياء مختلفة غير ما يأتينا من الغثاء عبر هذه القنوات، وصدقوني أنكم ستجدون وقتاً كثيراً طيباً ليس فيه تعلق وليس فيه أذى للعين بالمشاهدة وأذى للأذن بالسماع، ومشكلات نجدها خاصة اليوم مع القنوات حتى الأبناء يتصارعون هذا يريد أن يرى قناة كذا وهذا يريد كذا، لو أننا انتهينا من هذه المشكلة ستجدون أنها مقاطعة نافعة وآمنة، تسلمون بها من كثير وكثير من الشرور والأضرار والمشكلات، وأظن أننا في غنىً عن توضيح ذلك.
وأما إمكانيته فأنا أجزم لكم بنسبة مائة في المائة أنها ممكنة، لن ينقص وزنك ولن يصيبك صداع في الرأس ولن يحصل لك أي شيء، بل سوف تزداد إيماناً وتقوى وخيراً، وستجد من الوقت ما تفعل فيه ما كنت تظن أنك عاجز عنه، الناس الآن يتنافسون هل سيختمون في رمضان كله ختمة أو أقل، وهناك قلنا: ستين وتسعة وخمسين!