[المحافظة على الصلاة فضلها ودلائل التهاون فيها]
إن من أعظم التقوى وأساسها ولبها المحافظة على الفرائض بشرائطها وسننها التي جاءتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما نتحدث هذا الحديث نعلم جميعاً أن الناس في هذه الحياة الدنيا لا يفرطون في أي غنيمة تتاح لهم وتعرض عليهم، بل يدعون إليها ويرغبون فيها، فإن فرط أحدهم في هذه الغنيمة أو قصر في مكسب كان يمكن أن يحوزه فلا شك أنه يوصف عند الناس بالتفريط، وربما بالحمق، وهو نفسه يعض أصابع الندم على ما فاته من هذا المغنم والمكسب، فكيف بنا مع هذه الغنائم الربانية العظيمة الأجر التي فُرضت علينا ورغبنا الله فيها وأعطانا عليها العطاء الجزيل الذي لا منتهى لحده ولا حد لوصفه؛ لأنه من عند الله سبحانه وتعالى.
وفوق ذلك كله عندما تشهد الصلاة في جماعة فهذا هو الفضل والأجر، وهذا هو الأداء للفرض، وهذا هو الاتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك معالم أخرى جديرة بالاهتمام، فهذا هو شعار الإسلام الذي نعلنه ونرفعه، فإذا خلت المساجد وقل فيها المصلون كان ذلك دليلاً من أدلة ظهور النفاق وظهور التقصير في طاعة الله وظهور التفريط في جنب الله، واستحقاق السخط والغضب من الله عز وجل.
أضف إلى ذلك أن كثيراً من الناس عندهم جهل، فلا يعرفون فقه الصلاة، ولا يحسنون التلاوة، فلو أنهم شهدوا صلاتهم في مساجد المسلمين لسمعوا تلاوة مرتلة وصلاة صحيحة، فيعينهم ذلك على أن يؤدوا صلاتهم على وجه تام؛ لأن بعض من يصلون منفردين هم على جهل، ويصلون صلاة ناقصة، وربما يقع فيها من الخلل ما يحكم به في الفقه بأنها صلاة باطلة.
وهناك معانٍ أخرى كثيرة، مثل التعارف والتآلف والوئام، وفوائد أخرى يطول حصرها.
وأقول: إننا قد فرطنا في هذا الأمر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بداية هذا التفريط هو منتهى التفريط في أمر الإسلام؛ لأن عرى الإسلام تنحل عقدة عقدة في آخر الزمان، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وآخر ذلك الصلاة، وقد يقول قائل: ولم تنحل الصلاة؟ فأقول: هذا المفرط الذي يترك الصلاة في المسجد، ويقول: ليست الصلاة واجبة علي في الجماعة.
ثم بعد ذلك يرى أن الجماعة ولو في غير المسجد ليست لها أهمية، ثم يصلي منفرداً، ثم يتأخر عن أدائها في وقتها، ثم لا تبقى الصلاة كما كانت في حياة الصحابة، وكما أمرنا بها في هذه النصوص على النحو المطلوب، وحينئذٍ لا يكون لها الأثر المطلوب الذي أخبرنا الله عز وجل به في قوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] ولا تكون كذلك على نحو ما أمرنا الله عز وجل ووضحه لنا بقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣]، وكل هذه المعاني تغيب وتضيع عندما نفرط في الجماعة على سبيل الترخص والتهاون.
فهذه فضائل عظيمة، وهذه أجور كبيرة، وهذه غنيمة باردة، ينبغي أن لا نفرط فيها، وأن لا نضيعها، ومن الفطنة والذكاء، ومن الإيمان واليقين، ومن الحرص والرغبة أن نكون مترسمين خطا سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فنسابق ونسارع ونرابط، ونسعى ونجتهد ونقوم في الليل، ونسعى إلى الصلوات في الجماعات لاسيما في الفجر، لا أن يكون حالنا أننا حتى في الجمعة التي هي مرة في الأسبوع يأتي كثير من الناس متأخرين، بل يأتون وقد انتهت الخطبة أحياناً وشرع الإمام في الصلاة، ونحن نعلم أن من طبيعة حياتنا أن صباح الجمعة ليس فيه أعمال، وأن الناس غالباً يخلدون فيه إلى النوم، فأي شيء يؤخرهم عن هذا الأجر وعن الفضل وعن الفرض قبل ذلك؟! فهذا تفريط وتقصير ينبغي أن نطهر أنفسنا منه، وأن نسعى إلى أن ننبذه في مجتمعنا وفي أنفسنا وفيمن حولنا، وفي أبنائنا وفي جيراننا، عسى الله عز وجل أن يرحمنا وأن يتقبل منا وأن ييسر لنا أمورنا.
اللهم! إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم! أنزل الرحمات، وأفض علينا الخيرات، وامح عنا السيئات، وضاعف لنا الحسنات، وارفع لنا الدرجات، واغفر -اللهم- لنا ما مضى وما هو آت، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين، ومن جندك المجاهدين، ومن ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا قوي يا عزيز، يا منتقم يا جبار.
اللهم! إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم! زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم! أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار.
اللهم! رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، خائفون فأمنهم، جائعون فأطعمهم، اللهم! سكن لوعتهم، اللهم! وامسح عبرتهم، اللهم! ارزقهم الصبر واليقين، اللهم! ارزقهم الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، اللهم! واجعل ما قضيته عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم! واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم! اجعل عمل ولاتنا في هداك، ووفقهم لرضاك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.