أيها الإخوة المؤمنون! حجاب المرأة المسلمة أحد الأمور التي تثار حولها الشبهات، ويدعى زوراً وبهتاناً أنه من صور تقييد المرأة المسلمة، وإلغاء شخصيتها، وحجب عقلها وفكرها إلى آخر ما يقال ويشاع ويذاع في مثل هذا الأمر، فهل حجاب المرأة المسلمة حرية أو قيد؟! وهل فيه مصلحة لها ولبنات جنسها وللمجتمع كله، أم فيه ما قد يذاع أو يقال من هذه المشكلات أو المضار؟ فلننظر ما وراء الحجاب، ولسنا بصدد تفصيل الأحكام، ولا بصدد ذكر اختلاف الفقهاء، وإنما ننظر إلى الحكم والأسرار، حتى ندحض بوقائع العصر ما يقال من الأوهام وما يحاك من الأباطيل؛ لأن بعض أبناء المسلمين قد فتنوا في قلوبهم، وضللوا في عقولهم، وانحرفوا في سلوكهم في هذا الشأن المهم من شئون المرأة والأسرة والمجتمع، وصور لهم أن هذا ضرب من الحرية، ولون من التقدم، وصُورة من صور التفاعل والمشاركة الاجتماعية النافعة، والواقع يشهد بغير هذا، كما سنذكر بعضاً من الصور.
الحديث إلى المرأة المسلمة، إلى وليها: أباً، وزوجاً، وأخاً، وإلى المجتمع المسلم الذي أكرمه الله وأنعم عليه، وجعل فيه سمة الطهارة والنقاء والصفاء، وجمله بالعفة والحياء؛ حتى لا تذهب هذه النعم، وحتى لا ينكص على عقبيه ويعرض عن شرع الله، ويضرب صفحاً عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينما ننظر إلى الحجاب لا نراه تشريعاً وحيداً، وإنما هو مع جملة من التشريعات الأخرى تتحقق به المصالح والمنافع، وهكذا شرع الإسلام لا يعطي حكماً واحداً منفرداً عن بقية الأحكام؛ لأن تشريعه كامل شامل؛ ولأن المصلحة ترتبط أجزاؤها بعضها ببعض؛ فلا يمكن أن نأخذ حكم الإسلام في اقتصاد ونتركه في اجتماع، أو نأخذه في اجتماع ونتركه في سياسة؛ فحينئذٍ لابد أن يقع الاضطراب والاختلال، ولن تتحقق سائر المصالح والمنافع، ومن ثمّ فإن تشريع الحجاب جاء ضمن تشريعات الإسلام التي تضبط المجتمع رجالاً ونساءً، ولسنا بصدد التفصيل، لكن الإسلام قد شرع قبل ذلك وفي هذا الإطار وفي هذه الأحكام كثيراً من الآداب والتشريعات المهمة، منها ما في قوله عز وجل:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور:٣٠]، وقوله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور:٣١].
وهناك أمور وواجبات دعي إليها المسلمون والمسلمات حتى مع وجود بعض الدواعي التي قد تنصرف فيها الأبصار إلى العورات، فجعل الإسلام ستاراً واقياً من التقوى الشاملة التي دعي إليها المؤمنون، كما قال عز وجل:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:١٩٧]، وجاءت الأحكام بمنع النظر المحرم، ومنع سماع الآثام، كما في قوله عز وجل:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب:٣٢]، وجاء النهي عن الخلوة التي فيها الشيطان يفرخ ويبيض ويقع منه ما يقع، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:(ألا لا يخلون رجل بامرأة، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).
فالتشريعات كلها متكاملة، والسياجات والحصون كلها متماسكة، فإن هد جانب، وإذا وجدت ثغرة في جانب، فإنما ذلك من خلل الملتزمين بهذا الدين، أو المؤمنين به.