جانب اللغة العربية التي أُضعفت، والتي غزتها العامية بكل لهجاتها، حتى أصبح العربي في بلاد الشام لا يعرف العربي الناطق بالعربية في بلاد العراق، والذي في العراق والشام لا يفهم من يتكلمون في مصر، حتى صار العرب يحتاجون إلى مترجم بينهم.
ومن لطائف ذلك أن الشيخ الطنطاوي رحمه الله تعالى ذكر قصة عراقي جاء إلى مطعم فيه مصري، وإلى جواره شاب، ودار هناك حوار، وكل واحد لا يفهم الآخر، فقال الأول كلمة طيبة هي في لهجة الثاني سيئة، وإذا به يغضب، وإذا بهما يتشاحنان، وحصل ما لا تحمد عقباه.
فهذه اللغة عندما ضعفت وعندما أقصيت إلى حد ما عن خطاب الناس صار الناس بعيدين عن القرآن؛ لأن القرآن هو باللغة، واللغة هي التي جاء بها القرآن، فصار الناس يقرءون كلاماً لا يفهمونه، وكأن العرب صاروا أعاجم، وفي السابق كان الأعاجم عرباً كـ سيبويه، فـ سيبويه أعجمي، وهو الذي أصبح أشهر نحوي، وهكذا ابن درستويه من كبار النحاة، وابن جني، وكثيرون من النحاة أصلهم أعاجم، بل ومن المحدثين البخاري، وهو من بخارى، والترمذي من ترمذ، وغيرهم كثير.
والأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إنما العربية اللسان)، فهم تعلموا العربية ففهموا هذا الدين، وجهلنا العربية فبعدنا عن هذا الدين، وهذا أيضاً مكمن خطر وقع للأمة المسلمة في عصورها المتأخرة.