[ومضات من حياة الشيخ المجاهد: أحمد ياسين رحمه الله]
الحمد لله، لا إله غيره ولا رب سواه، لا يضل من استهداه، ولا يخيب من رجاه، من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه وقاه، له الحمد سبحانه وتعالى كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله إلى الناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، هدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحمل دعوته، ورفع رايته، وأسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
هذا هو موضوع حديثنا، وأحب بادئ ذي بدء أن أشير إلى أن خطيب المنبر يتعرض لضغوط نفسية كثيرة، فما عسى أن يقول في الأحداث العظيمة، والأمور ليست على ما يحب المرء ويرضى، وكيف يلبي ما قد يجول في خواطر ونفوس السامعين؟ وكيف يتلقى قبل خطبته وبعدها من الناس ما يقولونه من مشاعرهم أو ما يطلبونه من توجيه وإرشاد، أو حث وحظ وتحريض على ما يرونه فيما يحبون أن يكون عليه الحال؟ وثمة أمر آخر لا يجهله أحد: وهو أن المقام يكون فيه الحديث محزناً ومؤلماً، ومن جهة أخرى يجب أن يكون مؤثراً ومحركاً يقع فيه من تأثير العواطف وضبط العقل وحكمته ما يكون، وهذا لا يسير إلا بتيسير الله سبحانه وتعالى.
ولسنا -أحبتي الكرام- في مقام نريد فيه أن نثير العواطف، ونهيج المشاعر، ونذرف الدموع ثم نمضي مرة أخرى ونرجع إلى سيرتنا الأولى، ونعود على أعقابنا، ننشغل بدنيانا وننسى واقع أمتنا، ونتغافل عن سوء حالنا، ونتجاهل شدة هجمة أعدائنا.
من الممكن أن يتحدث الخطيب فتلتهب المشاعر فيبكي ويُبكّي، وقد قلت مراراً أنني لا أجيد هذا ولا أحبذه، وأحسب أن كل مؤمن غيور قد اعتصر قلبه حزناً وأسىً، وما أحسب أحداً إلا وقد بكى ما شاء الله له أن يبكي، لكن الأمر ليس على ما نريد من هذه المشاعر التي تسكن بها بعض أحزاننا وآلامنا، فرأيت أن أتنحى عن مقامي هذا في الحديث إليكم؛ لأنني أجد صعوبة فيه؛ فرأيت أن أتحدث إليكم في هذا المقام بمسيرة حياته، ومجموع متفرق من كلماته.
الرجل الذي نتحدث عنه اليوم حديثه إليكم أبلغ من حديثي، وكلماته أوقع في النفوس وأعظم تأثيراً في القلوب؛ لأنها ليست كلمات بلاغة وإنشاء ولكنها كلمات صدق وإخلاص، صدقتها الأفعال، وروتها الدماء، وشمخت بها إلى المراتب العليا من استعلاء الإيمان وثبات اليقين الذي نسأل الله عز وجل ألا يحرمنا وإياكم منه.
مسيرة حياته في ومضات أرويها لكم وأقصها عليكم دون أن أعلق إلا باليسير.