[أقوال وأشعار وأمثال تدل على أهمية الكلمة وخطورتها وآثارها]
أذكر بعض الأقوال والأمثال والأشعار التي نطق بها مسلمون وغير مسلمين، مما يدل على أن أمر الكلمة عموماً عند بني الإنسان لها هذه الأهمية، لما سبق من الإشارة إلى مجالاتها وخصائصها.
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (والله الذي لا إله إلا هو ما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان) هذا اللسان قد جعله الله عز وجل أشبه بالمسجون، لكن العقل الذي لا يتدبر والقلب الذي لا يتذكر يطلق اللسان، فإذا به -وإن كان محدوداً في مساحته وفي إطاره- يشرق ويغرب ويؤذي، ويكون أذى اللسان أكثر من أذى السنان كما يقولون.
وهذا ابن وهب يقول: إن في حكمة آل داود مكتوباً: (حق على العاقل أن يكون عارفاً لزمانه، حافظاً للسانه، مقبلاً على شانه).
وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه.
** فهماً كاملاً من لم يضبط لسانه ويحفظه.
.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال: من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه.
لكن انظر إلى واقعنا اليوم ستجد كلاماً طويلاً عريضاً، وادعاء هائلاً، وعملاً قليلاً، وحقيقة باهتة، لا تعدو أن يكون نسبتها إلى ذلك الكلام كنسبة القطرة إلى البحر إلا من رحم الله عز وجل.
وعن بعض الحكماء أنه قال: الصمت يجمع للرجل فضيلتين: السلامة في دينه، والفهم عند صاحبه.
فالذي يتكلم كثيراً لا يستطيع أن يفهم إلا قليلاً، وكما يقال: الجوارح تتوزع عليها المهام، فإذا اشتغل اللسان كثيراً يكون ذلك على حساب العقل والفطنة، وإذا امتلأ البطن بالطعام صار الحال كما قيل: إذا امتلأت البطنة ذهبت الفطنة.
وهكذا عندما تركز البصر في أمر ما فإنك تجد أن سمعك لم يعد مدركاً، وعندما يجول خاطرك في قضية ما فإنك قد لا تسمع أو قد لا تبصر من مر بك؛ لأن الحواس إذا تركزت في جانب ربما يقل إدراك واستيعاب الحواس الأخرى لها.
وعن منح بن عبيدة أنه قال: ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.
وعن بعض أهل الحكمة أنه قال: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.
لأنك إذا قلت الكلمة فمن الصعب عليك أن تردها؛ لأنه قد يمنعك من ذلك كبر، وقد يمنعك من ذلك أن من سمعها منك قد شرقوا وغربوا وتفرقوا، فلا تستطيع أن تنسخ تلك القولة عند كل أحد، وأما إذا لم تقلها فإنها ما زالت تحت سيطرتك تفكر فيها وتتأمل في مراميها ثم تخرجها عن بصيرة وعلم.
ولذلك قال الآخر: إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني.
وقال الشاعر أيضاً: خل جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام وفي كثير من الأمثال ما يدل على عمق وأثر هذه الكلمة، كما في بعض الأمثال: (رب كلمة قالت لصاحبها دعني).
أي: اتركني ولا تنطق بي؛ فإنك لا تدري ما أجر عليك من البلاء والوباء إذ لم تراع الله عز وجل في نطقي، أو لم تنتبه إلى ما يترتب على نطقي أو إشاعتي من خطر وزلل.
وكما قال قائل: إن الحرب أولها كلام.
وهذا كما وقع في قصة داحس والغبراء من نشوب حرب دامت سنوات بسبب موقف، ثم كلمة من هنا وكلمة من هنا وإذا بأرواح تزهق ودماء تجري وبيوت تهدم وديار تحرق، وهكذا، فعلى المرء أن لا يغفل عن هذه الخطورة.
يقول بعض المعاصرين: إن الكلمات الجميلة تؤدي إلى معان ونتائج طيبة تحتاج إلى التأمل، وتؤدي أيضاً إلى مزيد من تأكيد أهمية وخطورة الكلمة.
أما الكلمات السائبة فإنها تؤدي إلى نتائج خائبة، وهذه معادلة صحيحة، أي أن الكلمات السائبة التي لا اهتمام بها ولا ضبط لها فإنها في غالب الأمر تؤدي إلى نتائج خائبة.
ومخرج كلمة الخير والشر واحد والمفتاح بيدك، فتأمل ماذا تقول.
ومن لم يستطع وزن كلماته فليحتمل من خصمه لكماته، وهذه أيضاً واقعة، إذ قد يخطئ المرء بكلمة لا تجد عند الآخر محملاً فتكون اللكمة أسبق إليه من الكلمة.
يقول قائل: العاقل العالم لسانه وراء عقله، والجاهل عقله وراء لسانه، تراه لا يفكر إلا بعد أن ينطق بالكلمة وقد مضى القول وانتهى الأمر.
والكلمة البانية لا يستطيعها صاحب الكلمة النابية، فمن تعود على فحش القول وإشاعته، فإن كلامه في الغالب لا يوافقه، أو لا يتفق أن يكون كلاماً بانياً.