وأما الثاني: بعد التعليم يكون التقويم، والمقصود به: تقويم السلوك والخلق الفاضل الذي ينبغي أن يغرس في النفوس والقلوب؛ لأن علماً بلا عمل ليست له فائدة، بل ربما يكون صورة شوهاء وقدوة مختلة، بل وربما يكون من أسباب الضلال والإضلال والعياذ بالله، إذ إن العالم إذا علم ثم لم يعمل بما علم، أو عمل بعكس ما علم، فإن ضرره وفتنته وصرفه عن الحق وتلبيسه على الخلق أعظم من غيره، ولذلك فإن تقويم السلوكيات والأخلاق فيه من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ما لا يكاد يحصى من المواقف والتوجيهات والمناهج الرفيعة الشريفة:(ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب) كما قال صلى الله عليه وسلم، أليس هذا تقويماً سلوكياً، وتهذيباً خلقياًًً، وتربية عملية؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبه إلى ذلك، ويوجه له في كثير من أحاديثه؟ كما عرَّف الأمور الكثيرة على غير ما كان يعرفها الناس؛ ليدلهم على الجانب العملي التقويمي السلوكي:(أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة ومعه صلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، ويأخذ هذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) إنه أمر توجيهي عظيم، ألم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة عن الرجل الذي يأمر الناس ولا يفعل ما يأمرهم به:(وأنه تندلق أقتابه في النار يوم القيامة، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيطلع عليه أهل النار فيقولون: ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)، ذلك التقويم المهم هو النهج الأساسي الذي ينبغي أن يدركه المعلمون والمعلمات؛ ليقوموا بدورهم، وليؤدوا رسالتهم.