أولها: الوعي والفهم والإدراك: أنت أيها المسلم هل تعي دورك؟ هل تفهم رسالتك؟ هل تدرك غاية وجودك؟ هل تعرف تاريخك؟ هل تدرك صورة وصفة أمتك؟ يوم يحصل ذلك يتغير الأمر باتجاه ما يستقر في القلب من مشاعر وعواطف، وما يجول في العقل من أفكار وخواطر، وما تمارسه الجوارح من أفعال وأحوال، إننا معاشر المسلمين نحتاج أن نركز كثيراً على حقيقة إسلامنا وإيماننا، وأن غاية الوجود في الحياة عبادة الله وإعمار الحياة، تلك هي الرسالة التي جاء بها الإسلام:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦]، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
وإعمار الحياة أن نقود هذه الحياة في تقنياتها وصناعتها، وفي كل جانب من جوانبها باسم الله، وعلى منهج الله، وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكون في الحياة اقتصاد إلا وهو ملتزم نهج الإسلام، ولا سياسة إلا وهي منضبطة بضوابطه، ولا علم إلا وهو قائم على أسسه العامة، وعلى مراميه ومقاصده الكلية، ويوم يكون ذلك كذلك يتجدد فينا ما كان في أسلافنا، يوم عمروا الكون بالمساجد والمحاريب ومدارس العلم والقرآن، ويوم عمروا الدنيا كذلك بكل المخترعات والعلوم التي سبقوا فيها غيرهم، والتي أسست حضارة اليوم على تلك النهضة العلمية العملية التجريبية التي كانت للمسلمين في بلاد الأندلس، وفي بغداد، وفي دمشق، وفي حواضر العالم الإسلامي كله.
إن قضيتنا في فهم رسالتنا وإدراك عمقها وشمولها لجوانب الحياة، وأنه لا ينبغي لنا أن نكون أمة إسلام ثم نكون أمة تخلف، وأنه لا ينبغي لنا أن نكون أمة قرآن ونكون أمة جهل، لم تكون نسب الجهل ونسب الأمية في البلاد العربية والإسلامية أكثر من غيرها؟ ولم لا تكون النهضة العلمية والصناعية في البلاد الإسلامية؟ لم نحن في آخر الركب؟ لأننا لم نفقه الدين فقه الحياة المطلوب والمنشود.
كتب أحد المؤرخين الغربيين في عام سبعة وثلاثين وتسعمائة وألف ميلادية -أي قبل نحو سبعين عاماً- يتكلم عن بعض البلاد وعين معها ثلاث دول إسلامية قال: هذه الدول فيها من القدرات والطاقات، ولها من الأعمال والمنجزات ما أظنها ستكون به مثل الدول المتقدمة وتنافسها.
واليوم وبعد سبعين عاماً من هذه المقولة نجد هذه الدول وقد صار بينها وبين تلك الدول بوناً شاسعاً ومسافة هائلة، كانت إحدى هذه الدول هي الدولة الثانية في العالم في تصنيع القطن، واليوم نجد هذه وغيرها في ذيل القائمة، لماذا؟ لأن المسلمين لم يفقهوا حقيقة دينهم وظنوه في جانب من الجوانب، وحتى تلك الجوانب التعبدية والإيمانية أخلوا بها انحرافاً وابتداعاً، أو تقصيراً وتفريطاً، أو أنها كانت صوراً ظاهرة لا حقيقة لها في قلوبهم، ولا أثر لها في نفوسهم، ولا وجود لها في واقعهم، وذلك ما ينبغي أن نلتفت إليه يوم أن ندرك ونعرف غايتنا، ونعرف ما الذي نقدمه:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٤].
هل هذه الأمور هي المقدمة في حياتنا؟ هل هي الشاغلة لفكرنا؟ هل هي التي تنقضي فيها أوقاتنا؟ هل هي التي تتعلق بها قلوبنا؟ إذاً: فكيف سنكون عابدين لله، وكيف سنجعل الحياة محراب عبادة وطاعة لله؟ وكيف سنقود الحياة على منهج الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ تلك غاية مهمة، ورسالة عظيمة، وفقه أصيل يوم فقهه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وعرفوا حق هذا الدين، كان الواحد منهم يسلم في لحظة فيتغير فكره وشعوره وعاطفته وعمله وسلوكه وعلاقاته وصلاته؛ لأنه ينصبغ بصبغة جديدة:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}[البقرة:١٣٨].
يوم يفقه المسلمون حقيقة هذا الدين، ويفهمون غايتهم في هذا الوجود يكونون كما كان أسلافهم، ويجددون ما هو بحمد الله موجود في بعض أفرادهم، وفي جماعات وفئام كثيرة منهم اليوم، ويكون لذلك أثره ونفعه بإذن الله.