روت عائشة رضي الله عنها (أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر) وما كانت أم المؤمنين لتذكر هذه الكلمات لو كان هذا أمراً دائماً بوصفه وحاله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إنما ذكرت قولاً له خصوصية في هذه العشر دون غيرها، فهي صور موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها هنا مميزة.
قال بعض أهل العلم في قولها:(أحيا ليله): أحيا ليله كله فلا ينام.
وقال أكثر أهل العلم: المقصود ما غلب على الليل.
فكان غالب ليله في هذه العشر قائماً ذاكراً عابداً.
وقولها (وأيقظ أهله) قالوا: كان يخص هذه العشر بتقصد الإيقاظ لإدراك الفضيلة العظمى وإدراك ليلة القدر وما فيها من عظيم الأجر.
قولها (وشد المئزر) قالوا: إنه كناية عن اعتزال النساء مع إباحة ذلك في ليالي رمضان؛ لأنها أيام وليالٍ خصها النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد من الطاعة والعبادة، فهي مختلفة عن غيرها من أيامه ولياليه المملوءة بطاعة الله عز وجل وعبادته، فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما ترك قيام الليل في سفر ولا حضر منذ أن خوطب بقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}[المزمل:١ - ٢] لأن كل أمر في حقه يستمر ولا ينقطع، وكل سنة يبتدئها يداوم عليها ولا يتركها صلى الله عليه وسلم، فالأمر هنا فيه خصوصية زائدة، فلئن كنت تصلي بالليل فأنت تزيد التهجد، ولئن كنت تخرج وترتاح فأنت تقيم وتعتكف.
إذاً ثمة صور مختلفة، أيام غير تلك الأيام، وليال غير تلك الليالي، وأحوال غير تلك الأحوال التي نكون فيها في رمضان، فضلاً عما نكون فيه في غير رمضان.