هل نريد أيها الإخوة بهذا أن نوهن عزائم النفوس، أو أن نشعل شيئاً من معاني التذمر والتمرد غير الواعي، أو أن ندخل إلى النفوس يأساً مقعداً أو هماً عظيماً؟ كلا، ولكننا نريد أن ندرك ما هو واقعنا، ثم ندرك بعض النتائج وكيف يكون لها أثر علينا نحن جميعاً وذلك ناتج عما يصنعه أعداؤنا، وما قد يطبقه بعض أبنائنا إما بمصانعة سوء قصد، وإما بمتابعة وعدم معرفة وانتباه والله عز وجل يقول:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠] وقد أخبرنا الحق عز وجل بذلك: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة:٣٢ - ٣٣].
تلك إرادة الله لا يمكن لقوى الأرض كلها أن تقف في وجهها، ولكن الله جل وعلا جعل في هذه الحياة سنناً ماضية لا تتخلف:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:٣٨]، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].
ما هي النتائج المتوقعة لذلك الهم والكم والغم الذي ذكرنا بعض صوره؟ كثيرة هي النتائج المتوقعة: غربة للدين، وجهل بالإسلام، وانحراف في السلوك، وغلو وتطرف في الفهم والمعالجة، ذلك هو الذي يمكن أن يقع، ولكننا ونحن نريد أن نشعل الأمل دائماً في نفوسنا، وأن نزرع بذور التفاؤل في قلوبنا، وأن نرى الخير الذي يسوقه إلينا ربنا، ونرى المنح في ثنايا المحن مما تجري به أقدار الحق جل وعلا، نجد أن ذلك الذي يصنع لا يحقق ثماره وآثاره إلا بقدر، وثمة آثار أخرى يسوقها الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:٣٦] إنه تقرير إلهي بصيغة التوكيد الجازمة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ) وبصيغة المضارع الدائمة، فينفقون أموالهم للغاية القبيحة التي تختلف صورها مرة من السياسة، وأخرى من الاقتصاد، وثالثة هي الغزو العسكري، والنتيجة والهدف واحد:(لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، قال:(فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)؛ ولكن ذلك لا بد وأن يكون ببذل وعمل وإخلاص وصدق، نرى بعض آثاره بحمد الله في بلاد الإسلام في جملتها زيادة في التدين، رغم كل هذه الوسائل العظيمة، نرى المساجد اليوم وهي أكثر رواداً من ذي قبل، نرى حلق التحفيظ وهي تجمع الشباب والفتيات منذ نعومة الأظفار ومنذ الطفولة الأولى.
حدثني قبل يومين مدرس هنا لتحفيظ القرآن يدرس بعض الأبناء في بيوتهم، وأخبرني أن طلبته من البنات والأبناء يبلغ عمر أصغرهم ثلاث سنوات، وهو يتقن تلاوة وحفظ جزء عم، وبعضهم في الخامسة والسادسة وقد أنهى نحو عشرة أجزاء وهلم جراً ونحن نعرف الأمثلة والدورات القرآنية المكثفة التي يحفظ بعض الطلبة فيها نصف القرآن وأكثر في نحو شهرين.
ومرة أخرى زيادة في الوعي أثمرته كثير من هذه الهجمات الشرسة، فأصبح المسلم اليوم يدرك من أحوال أعدائه ومقاصدهم ومكرهم وكيدهم ما لم يكن يدركه من قبل، وأصبح يعرف من حال إسلامه وحقائق إيمانه ومحاسن دينه ما لم يكن يكشف له من قبل، وذلك من فضل الله عز وجل.
ثم زيادة الوحدة؛ ونحن نرى اليوم التنادي والنداء داخل المجتمعات الإسلامية، بأن تنبذ أسباب فرقتها واختلافها، وألا تجعل اختلاف الآراء والاجتهادات داعياً لتفرق الصفوف، لماذا؟ لأن الجميع يقول: لا بد أن نكون صفاً واحداً في وجه الهجوم الخارجي الشرس، بل لا بد أن يكون هناك وحدة وتكامل بين العلماء والدعاة وعامة المجتمع، بل لا بد أن يكون كذلك وحدة وتعاون وتآزر لسد النقص ومنع الخلل مع الحكومات والشعوب؛ لأن الأمر أكبر وأخطر من أن يكون معه ذلك التفرق أو التناحر، أو أن نجعل القوى موجهة إلى داخل صفوفنا، والسهام مدفوعة إلى صدورنا ونحورنا.
نسأل الله عز وجل أن يدرأ عن أمتنا الشرور والمخاطر، ونسأله عز وجل أن يحفظ ديننا وإيماننا وعقيدتنا وبلادنا وديارنا وأهلنا، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.