[وجوب الحذر من كيد الشيطان والاستمرار على الطاعة]
الحمد لله العظيم في شأنه، العزيز في سلطانه، أحمده سبحانه وتعالى على جزيل بره وإحسانه، وأشكره على وافر فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم الذي أقام الدين وأحكم بنيانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: إن في هذه الوقفة السريعة التي وقفناها في آخر معركة أحد ما يكشف لنا عن ضرورة يقظتنا لمواجهة أعدائنا، وعن أهمية التزامنا واستعلائنا بديننا، وعن أهمية قوة نفوسنا وثقتنا بخالقنا، واستعدادنا لمواجهة عدونا في كل حال.
ولعلي هنا أربط ربطاً لطيفاً، وقد يكون عند البعض بعيداً: كنا في رمضان في معركة مع الشيطان، ومع أهواء النفس، ومع المعاصي التي قد استحكمت في واقع حياتنا، ولعلنا قد حققنا نجاحاً، وأدركنا فلاحاً، وحققنا -ليس في جولة واحدة بل في جولات كثيرة- انتصاراً، فهل انتهت معركتنا مع الشيطان؟ نحن قد فرحنا بما وفقنا الله له من الطاعات، وبما سلمنا منه من المعاصي والشرور والآثام والسيئات، ولكن هل أغمد الشيطان خنجره؟ وهل أوقف وسواسه؟ وهل انتهت معركتنا فاستقمنا على الصراط المستقيم أم أننا ما زلنا في المعركة؟ إننا الآن قد ركنا إلى ما سلف من صالح أعمالنا، وعدنا شيئاً فشيئاً لتستحكم الغفلة فينا، وليعاود عدونا مرة أخرى انتصاره علينا، فتكون جولتنا تلك كأنها لا قيمة لها، وكأن انتصارنا يذبل ويضعف ويذوي ويزول! وهذه معركة حقيقية مع النفس التي بين جنبيك، ومع الشيطان الذي يوسوس لك، ونحن -وللأسف الشديد- نرى في أيام عيدنا، وبعد انتهاء شهر صيامنا ما نعرف أنه أظهر صور الهزيمة الإيمانية، وأجلى صور الخذلان بعد الطاعة، فكم نرى في حياة أمتنا وفي أعيادها من لهو يمسخ أثر الذكر والذكرى، ومن عبث يضيع آثار البر والتقوى، ومن معاصٍ تعيد الظلمة إلى القلوب والكدر إلى النفوس! وهذا لا يحتاج منا إلى كثير كلام ولا إلى أمثلة؛ فإن الشواهد واضحة نراها في الشاشات الفضائية، ونسمعها في الإذاعات، ونلامسها في الشوارع والطرقات، بل -وإن كنا صادقين- نلمسها ونعرفها في أنفسنا وفي بيوتنا التي كان القرآن يدوي فيها، وكان الذكر يصدح في جنباتها، وكنا فيها قائمين أو ساجدين أو متسحرين أو مفطرين، واليوم قد قل ذلك وضعف، ولا أود أن يكون حديثي مؤيساً أو محبطاً ومثبطاً لما سلف من الخير والطاعة؛ ولكنه إنذار وتنبيه؛ حتى نعاود حمل أسلحتنا الإيمانية، ونعود إلى التترس بالطاعات والذكر الحافظ من وساوس الشيطان، والوقوع في الآثام، ونعود مرة أخرى لنكون على أهبة الاستعداد؛ ليعلو إيماننا على وسواس شيطاننا، ولتنتصر إرادة الخير والطاعة في نفوسنا على أهوائنا وشهواتنا وجوانب دنيانا في معاصي ربنا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على دينه، وأن يرزقنا الاستقامة على الطاعات والمواظبة عليها، وأن يعيننا على أهواء أنفسنا، وأن يقينا من وساوس شياطيننا.
ونسأله سبحانه وتعالى أن يقيمنا على الحق، وأن يلزمنا إياه، وأن يبصرنا به، وأن يسلكنا طريقه.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم وفقنا للطاعات، واصرف عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آتٍ.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ومكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد، وهيئ للأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم أبدل أمتنا من بعد ضعفها قوة، ومن بعد ذلتها عزة، ومن بعد فرقتها وحدة، اللهم اجمعها على كتابك وسنة نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم.
اللهم اجعلها بكتابك مستمسكة، ولهدي نبيك مقتفية، ولآثار السلف الصالح متبعة.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب.
تول اللهم أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم فرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وامسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وارفع درجتهم، وأعل رايتهم.
اللهم يا أرحم الراحمين! اجعل لنا ولهم من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن تجعل هذه الأيام المباركة والأعياد العظيمة خيراً وبراً ونصراً وعزاً للإسلام وأهله في كل مكان يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تكفينا شرور أعدائنا، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم فرق كلمتهم، وابذر الخلف في صفوفهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم بأنفسهم.
اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، واشف اللهم فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، وفر اللهم أمنها، وابسط رزقها، واحفظ وحدتها برحمتك وعزتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تصرف عنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! ثبت اللهم أقدامهم، وأفرغ الصبر واليقين في قلوبهم، وأعل رايتهم، ووحد كلمتهم، وقو شوكتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، نخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
والحمد لله رب العالمين.