[وجوب التهيؤ والاستعداد لما تمر به الأمة من اختبارات ومصاعب]
هنا وقفات سريعة ننظر فيها بين اختبارات طلابنا واختبارات أمتنا: الوقفة الأولى: التهيئة والاستعداد: في اختبارات الطلاب تهيئة أسرية يُعنى بها الآباء والأمهات، حيث يهيئون الأجواء، ويوفرون أسباب الراحة، ويقدمون الخدمات، ويخففون التبعات والمسئوليات على الأبناء والبنات، وإن سألتهم: ما لكم؟ قالوا: إنه موسم الاختبارات.
ونجد كذلك استعداداً اجتماعياً, والمجتمع كله يراعي ذلك، فلا ترى المناسبات ولا المباريات، ولا المشاركات المعتادة في سائر الأوقات، فإن سألت لماذا؟ قالوا: لأنه موسم الاختبارات.
وترى أيضاً تهيئة واستعداداً إعلامياً، فلا ترى كثيراً من البرامج واللهو والترفيه المعتاد، بل تجد الدروس والتذكير والندوات والمساءلات في قضية الاختبارات.
وترى كذلك تهيئة واستعداداً نفسياً، وكل هذه العوامل توطد في نفوس الطلاب أن يثقوا بأنفسهم، وألا يتهيبوا تلك الاختبارات، وأن يقووا عزائمهم، وأن يعلوا هممهم، وأن يوطنوا أنفسهم على أن يبذلوا الجهد، ويواصلوا المسير حتى يجنوا النتائج والثمار.
كلنا يدرك هذه الأجواء ويعرفها، فكيف والأمة في اختبارها الصعب، ومرحلتها المريرة التي تستهدف وجودها وإيمانها، والذي تعادي مناهجها وأخلاقها، والتي تريد اجتثاث جذورها وأصولها، فهل ترون الأسر تستعد لمثل هذا الاستعداد أم أننا نرى غير ذلك؟ إننا نرى أسراً مضيعة لمهمات التربية، وآباء مهملين لصناعة الأجيال، وأمهات متخليات عن صناعة صانعات الأجيال.
ثم نرى المجتمع كذلك من المجتمعات المنشغلة وراء لقمة العيش، أو الكدح في هذه الدنيا، المنشغلة بأمور عارضة واهتمامات دنيا، فتلك هي مواسم ومسابقات الرياضات، وتلك هي مهرجانات الفنون والأفلام والتمثيليات، وتلك هي وسائل الإعلام التي تصم الآذان وتدمي القلوب، وتحزن النفوس، بكل لهو رخيص وتفاهات مغرية، وسخافات مضللة عن مشكلات الأمة ومهامها.
فهل أمتنا تستعد للاختبارات العصيبة بمثل تلك الاهتمامات الهزيلة؟ إنها وقفات ومقارنات لا أحتاج فيها إلى كثير من التعليقات، ولكنها تحتاج منا جميعاً إلى كثير من التأملات والمراجعات والتصحيحات، ليس على المسار العام الذي دائماً ما نلقي عليه بالتبعات، بل على مسارنا الخاص، وعلى تكويننا النفسي والقلبي، وعلى أدائنا الأسري والتربوي، وعلى معايشتنا الحياتية والمادية، فضلاً عن طموحاتنا وآمالنا، فضلاً قبل ذلك كله عن إيماننا واعتقادنا ومبادئنا وأخلاقنا.
فكيف نخوض خضم هذه العولمة الجارفة التي يراد بها تغيير الثقافة والأخلاق والفكر ونحن لا نهيئ شيئاً في تلك المواجهة، ولا للاختبارات العصيبة الرهيبة؛ فهل هذا إنصاف، وهل هذا معقول؟! ونحن ندرك أن هذه الأمة هي الأمة التي اصطفاها الله عز وجل واختارها لتؤدي أعظم دور، وتقوم بأسمى وأرقى وأعظم رسالة في هذا الوجود، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣].
وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة).
فالجد والاجتهاد صورة حية واقعية في اختبارات طلابنا، والوقت مستغرق في الاختبارات، والجهد مبذول فيها، والفكر منشغل بها، والإمكانات مسخرة لأجلها، وكل شيء في هذه الأيام منصب في هذا الهدف، فإن قلت: لماذا؟ قالوا: لأهميته، وإن قلت: لم هذه الجهود المضنية وسهر الليالي وإمحال الجسم وترك الراحة؟ قالوا: لأنها معمعة يوشك بعدها أن نخرج إلى النجاح والتقدم.
ونحن نريد نصراً مؤزراً، وعزاً مؤثلاً، ومجداً فاخراً، وأمتنا تشهد تاريخها، دون بذل جد ولا جهد ولا اجتهاد، دون أن تسد خللاً ودون أن تنفق الأموال، ودون أن تسهر الليالي، ودون أن تتضافر كل الجهود، وأن تجتمع كل الحشود؛ لكي تتجاوز المرحلة العصيبة، والفترة القادمة من تاريخ أمتنا، من المواجهات الصعبة التي تتحداها، وذلك أمر أيضاً نراه في غير مساره الصحيح في جملة من أحوال أمتنا.
فأين الأوقات المبذولة حتى في ميادين الحياة العملية؟ لقد صدرت بعض الدراسات التي تقيس مدى إنتاج الموظف والعامل في بلاد عربية وبلاد إسلامية، وبلاد غير إسلامية أو عربية، فظهر التفاوت العظيم، والبون الشاسع، وتبين أن أوقاتنا غير مبذولة حتى في تقوية أمورنا المادية، وأين نحن من بذل الأموال في الأبحاث العلمية والتقدم التقني؟ وأين نحن من بذل الجهود الفكرية في معالجة أوضاع أمتنا المختلة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً وغير ذلك؟ أين نحن من هذا كله ونحن نرى الاجتماعات والمؤتمرات، ونرى الجهود والأوقات، ونرى غير ذلك يصرف فيما أشرت إليه من الجوانب التي ذكرناها، والحق جل وعلا يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥]، إنه ميدان العمل الذي يكون جزاؤه يوم القيامة.
إن من لا يقدم عملاً لا ينال ثمرة، إن من يريد النتائج وهو ينام ملء جفنيه، ويأكل ملء ماضغيه، ويرتاح ملء جنبيه، إنما هو حالم واهم لا يجني إلا ما يجنيه القابض على الهواء، وينبغي أن ندرك ذلك، قال الشاعر: لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا فكيف نريد أن نعود أمة رائدة قائدة كما هو الشأن الذي كان لنا، وكما هو الواجب المنوط بنا، دون أن نبذل شيئاً يكافئ ذلك؟! ألا نستحضر تاريخ أمتنا؟! ألا نستحضر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم؟! ألا نستحضر الأمة التي شرقت وغربت، وجاهدت، وبذلت الأنفس والأرواح، وعمرت الدنيا، وأسست الحضارة، وتفوقت في العلوم؟! أليس هذا هو ميدان الاختبار ونحن نرى أمتنا في مجمل أحوالها متخلفة في ميدان العلم، متأخرة في مجال التكنولوجيا، متراجعة في مجالات الفكر، دون جد ولا اجتهاد.