[رسالة إلى الموالين لأعداء الإسلام]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، ولقد أشرنا من قبل إلى كثير من المعاني التي يمكن أن تدرج في هذه الرسائل الموجهة إلينا جميعاً.
أصلح نفسك وادع غيرك، أمر لا بد منه، وهذه قضايا كثيرة وهي -كما قلنا من قبل- تحتاج منا إلى تذكر دائم وتناصح مستمر وعملٍ غير منقطع، في حرصنا على الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، ومنع ترويج الشائعات وصد إخلال الأمن والتجمع على الثوابت من كتاب الله وسنة رسوله، وجعلها الفيصل والحكم في الأمور.
ورسالتان أخيرتان نوجههما: الرسالة الأولى: إلى الموالين لأعداء الله المشاركين لهم، ظناً منهم أنهم سيصدقون في وعودهم وأنهم سينفذون لهم ما وعدوهم به من حكمٍ أو مالٍ أو غير ذلك، يزعمون أنهم سينشرون الحرية ويقيمون العدالة ويحفظون الثروات لأهلها.
وقد وقعت العقود للشركات الأمريكية في هذه الأيام قبل أن تنتهي الحرب أو ينجلي غبارها، أولئك الموالون يرون أنهم يوالون لأنهم يواجهون البعث وهو حزب في مفرداته وعقائده كفر صريح محض، ولكن ينبغي أن يدركوا أن القضية فيها دماء المسلمين من الساجدين الذاكرين الموحدين، وهذا أمر خطير! وقد جاءت فيه الآيات الصريحة الواضحة، وجاءت فيه مقالات العلماء القاطعة، كما قال ابن جرير عند تفسير قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١] قال: من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم.
فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعليقاً على هذه الآية: أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ...} [المائدة:٥١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} [التوبة:٢٣] والآيات في هذا كثيرة.
ولذلك ينبغي أن يعلموا هذا حتى وإن ظنوا أن في ذلك خيراً، فإن دم المسلم معصوم وحرمته عظيمة، فضلاً على أنه قد تجلى وانكشف لكل ذي عينين أن القوى الغازية لن تفي بوعدها، وحسبنا التجربة القريبة الماضية في أفغانستان، وأنها قد أعلنت أنها تريد من خلال ذلك أغراضاً أخرى وأهدافاً أخرى أكثر ضرراً وشراً وفساداً، وأنها تريد هيمنتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية كما هو معلوم لأكثر الناس، حتى وإن قال بعضهم: ربما يكون في ذلك ضرب من الإكراه.
فإنه مقرر عند أهل الإسلام أن مسلماً لو أكره على قتل مسلم لم يجز له ذلك حتى ولو قتل؛ لأن عصمة نفسه ليست بأحق من عصمة نفس أخيه المسلم، قال ابن تيمية: إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه، وأن يصبر حتى يُقتل مظلوماً، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام؟! لا ريب أن هذا يجب عليه إذا أُكره على الحضور ألا يقاتل، ولو أكره رجل رجلاً على قتل مسلم معصومٍ فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل، فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس.
وحسبنا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليتنا نكتب هذا الحديث ونعلقه في جميع الأماكن حتى نراه (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه) كيف تظلم أخاك المسلم وكيف تخذله في وقت يحتاج فيه إلى نصرتك فإذا أنت مع عدوه عليه! (ولا يسلمه) أي: لا يتركه لعدوه يتمكن منه، فهذه حقيقة الإسلام وأخوة الإيمان، وما وراء ذلك الخطر العظيم الذي ذكرناه في الآيات وأقوال العلماء.