الهوى الذي يهوي بصاحبه، فيجعله يطلق الكلمة كالرصاصة القاتلة، أو كضربة السيف القاصمة، يهوى ويحب فيوافق حتى في الباطل، كما هو لسان ذلك المحب العاشق يقول: يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن شمالاً ينازعني الهوى عن شماليا فهو دائماً وأبداً موافق لهواه: والهوى في الوقت نفسه قد يكون لوناً آخر من بغض أو حسد، أو من نفرة وجفاء، فيئول بصاحبه إلى أن يستخدم الكلمة في غير موضعها، فيغتاب أو يسعى بنميمة أو يشوه سيرة أخيه المسلم، أو يطعن في عرضه أو غير ذلك من الصور التي ليس لها دافع، فهو يعلم علم اليقين أن هذا باطل، وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه من الغيبة، وقال لهم:(الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره.
فقالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) فهذا بهتان أعلى من الغيبة، فأنت تجد من يعلم أن هذا القول غير صحيح في فلان من الناس، وهو يعلم أن هذا القول لو كان صحيحاً فإن الشرع يمنع منه، ويعصم لسان المؤمن أن يغتاب أخاه، وأن يكشف عورته، وأن يهتك ستره، بل يأمره بأن يستر عليه وبأن يوري عنه، وأن يسعى له بنصيحة مخلصة بطريقة حكيمة، ومع كل ذلك يعمى بصره وتعمى بصيرته عن كل هذه المعالم، ويقوده الهوى في تياره الجارف وطغيانه الجانح وموجه الذي يكتسح كل شيء، ليس له هم إلا أن ينال من ذلك الذي نفر منه أو حسده لأمر ما أو لآخر، وحسبك أنك تجد هذا ليس بين أهل الدنيا، بل أيضاً بين أهل الدين، وحسبك تحذيراً قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر.
ولكن تحلق الدين) فكيف بك تغتاب وأنت تعلم حكم الغيبة وأنها في أعلى مراتب الحرمة بنص كتاب الله، وفي أبشع الصور المنفرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات:١٢] وتتجاوز كل هذا، إذاً سيئول بك الحال إلى أن تستهين بكلام الله وبشرعه وحكمه، وبهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام وسنته وإرشاده، وسيئول بك الحال إلى الفجور في الخصومة، فتنال صفة من صفات النفاق تنقص بها شيئاً من إيمانك، ثم لا يسلم بك الحال إذا تماديت في الهوى أن تخرج عن إطار مهم جداً، فتتجاوز الأمر إلى تكفير قد تقع مغبته عليك، نسأل الله عز وجل السلامة، فأمر الهوى أمر خطير جداً.