أما الجانب الأول: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدار يعلم الصحابة رضوان الله عليهم، فيتلو عليهم آيات القرآن، ويبين لهم أحكام الإسلام، ويعرفهم أيضاً بما يجري في واقعهم ومجتمعهم، وما يحاك حولهم، فلا بد للفئة المؤمنة أن تنشر العلم الشرعي، والمعرفة الإيمانية، والأخبار الواقعية، والأحداث القديمة التاريخية، في المساجد وبيوت الله، وفي المنتديات والمحاضرات، وفي اللقاءات والمؤتمرات، وتكون كذلك في كل آن وفي كل حال، في الحل والترحال، وفي السفر والحضر، وفي بيوت الناس ومجامعهم؛ لأن المعرفة والعلم أساس مهم كما قال الله عز وجل:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد:١٩].
وليس المقصود بالمعرفة والعلم الناحية الشرعية فحسب، بل كذلك الناحية المعرفية التي فيها استقراء التاريخ، واستنطاق العبر، ومعرفة الواقع، وإدراك ما يدور حول الدعوة والمسلمين من أمور، فينبغي أن يعرفوها، وأن يحتاطوا لها، وأن يعدوا لها العدة، ولذلك كانت هذه الدار تمثل هذه المرحلة المهمة، فإنه ينبغي لنا ألا نرضى من الناس بالعواطف، وألا نكتفي منهم بأن يؤدوا عباداتهم، بل لا بد أن نزيدهم ونعطيهم من العلم الذي جاء في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نوسع دائرة معرفتهم، وأن نعمق الوعي في عقولهم؛ لأننا نحتاج ونفتقر إلى شخصية المسلم العالم الواعي، فإذا ذكرت شبهات وطعون في الإسلام كان عنده من العلم ما يمنعه من التأثر بها، بل عنده من العلم ما يفندها ويرد عليها، ويثبت بطلانها، فيكون ذلك انتصاراً لهذا الدين، وإقناعاً للآخرين، ويكون عنده أيضاً من العلم والمعرفة حتى لا ينخدع، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بالخب، ولا الخب يخدعني، فإذا ما تستر الباطل في ستور مختلفة، وإذا ما جاء الأعداء في لبوس الأصدقاء؛ لم يخدعه ذلك، بل كان عنده الوعي والمعرفة والإدراك الذي يميز به بين الحق والباطل، ويدرك به ما وراء السطور، ويعرف ما يحاك للأمة الإسلامية، وما يمكر به الماكرون، وما يدبره المنافقون، فإن الأمة اليوم مستهدفة من أعدائها، ومغزوة من داخلها ببعض أبنائها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث عنهم:(من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا).