الحمد لله جل جلاله، وعز جاهه، وتقدست أسماؤه، وعظم عطاؤه، وجلت آلاؤه، له الحمد سبحانه وتعالى كما يحب ويرضى، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد على كل حال وفي كل آن، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! مكامن الأخطار في تغيير النفوس والأفكار، هذه الحقيقة في غاية الأهمية، وإن واقع ما تشهده الأمة اليوم من هجمة شرسة قل نظيرها ينبغي ألا يصرفنا عنه أنه احتلال للأرض، أو نهب للثروات، أو سفك للدماء، وكل ذلك حاصل لكنه في جانبه الآخر محاولة لقتل الحمية في النفوس، وإضعاف القوة في القلوب، ووجود الزيغ والانحراف في الأفكار، وإن أمة تموت روحها، وتضعف حميتها، وتدفن مشاعرها، وتضلل أفكارها، تصبح أسهل لقمة سائغة في أفواه أعدائها، واعلموا أن أعداءنا يعرفون هذه الحقائق، ويعملون للوصول إليها أكثر مما يلتفت إليها أبناء هذه الأمة على مختلف مستوياتهم من القادة والشعوب، من أصحاب الرأي والكلمة ومن غيرهم من عموم الناس، ولا أريد أن أجعل الحديث مسترسلاً من غير أن يكون واضحاً بيناً، ولا شك أن ذلك ينطلق في ضوء أنوار توضح الطريق، وتبين المعالم، وتكشف المستور، لابد لنا أن نستضيء دائماً وأبداً بآيات الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأن نستضيء بهدي وسنة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بين لأمته كل ما تحتاجه في هذه الحياة الدنيا لإقامة دين الله وإعزازه، ولكي تؤدي الأمانة التي حملتها، وتبلغ الرسالة التي تلقفتها عنه، وعمن كان من أصحابه رضوان الله عليهم:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:٢١٧] ولفظ الآية هذه واضح في دلالته المستمرة، وفي غايته الواضحة المحددة، لا يزالون مستمرين على ردة الناس، عاملين متواصين على ذلك ومجتمعين:(وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم) وصيغة المضارع تدل على الاستمرار، والغاية ليست متشعبة ولا متعددة، بل كما قال الحق جل وعلا:(حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ).
ولا شك أننا قد تحدثنا في قضية الدين في حياة المسلمين بشيء ربما نبه على هذا الأمر، والآيات كثيرة في هذه الحقائق:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:٣٦]، قضايا كثيرة، وحقائق واضحة بينة:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠] حسداً من عند أنفسهم، آيات كاشفة واضحة وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم قائمة باقية ما بقي الزمان، يقول فيها صلى الله عليه وسلم:(لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه.
قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن)، وهو القائل:(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وهو الذي لقن أصحابه حتى قال الفاروق رضي الله عنه:(لست بالخب ولا الخب يخدعني، وإنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية) الحقائق كثيرة، فلننتقل إلى الوقائع لنرى أي شيء يصنع أعداؤنا في هذه الهجمة التي تتزعمها القوة العظمى العالمية التي نعرف أخبار جنونها وقتلها وعدوانها وغير ذلك، لكنه يخفى علينا كثيراً من مكامن الخطر التي تستهدف الروح والنفس، والتي تحرف التصور والفكر.