أولاً: استشعار عظمة المسئولية وضخامة وجسامة الأمانة، إنها ليست وظيفة تؤدى، أو أوراقاً تكتب، أو اختبارات تصحح، إنها أمانة في الأعناق، إنها واجب شرعي سواء كان هذا التعليم في مواد العلوم الإسلامية أو في غيرها، فقد ذكرنا فيما مضى الواجبات الكفائية التي يجب على الأمة القيام بها، وذكرنا أن كل علم مما قد يطلق عليه علوماً دنيوية هو عندنا معاشر المسلمين -بفهمنا الصحيح الشامل- ضرب من ضروب العبادة، ونهج من سبل السعي إلى رضوان الله سبحانه وتعالى، فهذه أمانة عظيمة، ومسئولية جسيمة، وكلنا يعلم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:(لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)(عن علمه ما عمل فيه)، هل أدى الأمانة؟ هل أخلص في تعليمه؟ هل أخذ بالأسباب والوسائل ليؤدي المهمة على الوجه الأكمل؟ ونحن نعلم جميعاً ما ورد في الحديث عند مسلم في صحيحه، عن أول ثلاثة تسعر بهم النار، ومنهم: العالم الذي لم يخلص في علمه، ولم يبتغ بذلك وجه ربه، ونحن ندرك ما كان عليه أسلافنا من شفقتهم من أمانة وضخامة ومسئولية هذا العلم، كما نعرف من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الحديث الشهير لما أراد أن يبلغ قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(لا.
حتى لا يتكل الناس) لكنه عندما أدركته الوفاة بلّغ حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يستحضر حديثه الآخر:(من كتم علماً) وذلك التهديد والوعيد؛ لأنه يذكرنا بأن المهمة هي أن نبث هذا العلم، وأن ننشره، وأن نشيعه، وأن نربي عليه، وأن نحرص على أن نقوم بمهمة الربط بين العلم والعمل، ولذلك:(من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)، وكذلكم كان الصحابة رضوان الله عليهم وأسلافنا الصالحون يدركون ذلك، ومن مقالات أبي الدرداء رحمه الله ورضي الله عنه، وهو من علماء الصحابة ووعاظهم الذين كانوا يحيون القلوب ويطهرون النفوس، قال:(كنت دائماً أفكر فيما يكون يوم القيامة، وإني لأخشى يوم القيامة أن يقال لي: يا عويمر! علمت فما عملت فيما علمت؟) فكم هي هذه المسئولية، وبين أيدي هؤلاء المعلمين والمعلمات، ليس المئات ولا الآلاف، ولا مئات الآلاف، بل الملايين من أبنائنا وبناتنا، فليتقوا الله جل وعلا، وليدركوا أن مسئوليتهم ليست أمام إدارة المدرسة، ولا إدارة التعليم، ولا وزارة التربية والتعليم، ولا أمام من في الأرض كلها، بل أمانتهم ومسئوليتهم بين يدي الله عز وجل، أن يتقوا الله في هذا النشء والجيل؛ لئلا يفرطوا في أمانتهم، ويتخلوا عن مسئوليتهم، فيطعن المجتمع والأمة من قبلهم، ويجوس أعداؤنا خلال الديار من خلال أبنائنا، وكما قلنا قبل فإن التعليم مفتاح التغيير، وإن كل أمة تنتصر أو تقهر أمة تبدأ بتغيير تعليمها؛ لتجعل أبناءها -أي: أبناء الأمة- تبعاً لها، ولتصوغ أفكارهم ونفوسهم وعقولهم بما تريده لهم.