الأمر الثاني: أن العاطفة فريضة إسلامية؛ وذلك أن الإيمان مهيمن لا يقبل أنصاف الحلول، ولا يقبل منك أن تنطق باللسان، وليس هذا في حد ذاته كافياً في وصف الإيمان، فقد بين ذلك الله جل وعلا في شأن أهل النفاق فقال عنهم:{آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}[المائدة:٤١] ولا يكتفي منك أيضاً بمجرد الامتثال بالحركات والأعمال، فإن ذلك قد كان دأب المنافقين أيضاً؛ كما قال عز وجل:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:١٤٢]؛ فإن الإيمان شرطه أن يستولي على القلب، وأن يضرب أوتاده في أعماق النفس، ولا يرضى إلا أن يكون حاكماً على كل إحساس وعلى كل شعور وعلى كل خفقة قلب، وعلى كل خلجة نفس، فلابد أن تحكم بهذا الإيمان؛ لأن الإيمان يغير الإنسان من داخله، فيغير مشاعره؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) فليس لك أن تحب كما شئت، أو أن تبغض كما شئت، أو أن توافق هوى نفسك، أو أسلوب تربيتك، بل إذا تغلغل الإيمان في قلبك وجدت هذه العواطف؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة:١٦٥]، فهذا الحب المرتبط بالله عز وجل والمحبة المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة الأخوة الإيمانية بين أهل الإسلام كلها أمور إسلامية إيمانية من أخص خصائص هذا الدين ومن أعظم أركان هذا الإيمان، ولا يمكن أن نتصور إيماناً أو إسلاماً بدون تحققها الكامل، ولذلك ينبغي أن يعلم العبد المؤمن أن هذه الحقيقة ينبغي ألا تغيب عن باله مطلقاً.
ونصوص الكتاب والسنة في أمر المحبة لله عز وجل والمحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة في هذا الباب ليس هذا مقام الاستطراد في ذكرها وسردها.