مسألة: قد يقال: ينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد، فإذا قلنا: إن العشر مفضلة على الجهاد إلا في حالة بعينها، فالحج أفضل من الجهاد؛ لأن موعد الحج في هذه العشر إحراماً وتمتعاً، ثم يوم الثامن والتاسع والعاشر، ويلحقها أيام التشريق، ولكن ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قال: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) فكأن هاهنا تعارضاً يحتاج إلى توفيق، وليس في الأمر إشكال، قالوا: التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج، والفرض في الحج أفضل من الفرض في الجهاد؛ لأن الحج إذا أديته في هذه العشر فهو فرض عين، أما الجهاد فهو فرض كفاية.
وأما التطوع بالجهاد فيكون في عمومه أفضل من الحج في خصوصه.
وأيضاً قالوا: يمكن الجمع من وجهين: الأول: أن حديث ابن عباس الذي معنا في فضيلة العشر صرح فيه بأن جهاد من لا يرجع بنفسه وماله بشيء يفضل على العمل في العشر، فيمكن أن يقال: الحج أفضل من الجهاد عموماً إلا في هذا النوع من الجهاد، فيبقى كأن تقديم الجهاد على الحج مخصوص بنوع بعينه، وهو أعلى ذرا الجهاد، حيث يذهب بماله ونفسه ولا يرجع من ذلك بشيء.
الثاني: وهو الأظهر كما أشار إليه ابن رجب يقول: إن العمل المفضول قد يقترن به ما يجعله أفضل من الفاضل في نفسه، فحينئذ الحج يقترن به ما يصير به أفضل من الجهاد، وقد يتجرد عن ذلك فيكون الجهاد أفضل، فإن كان الحج مفروضاً فهو أفضل من التطوع بالجهاد؛ لأن الأعيان مقدمة على الكفايات عند جمهور العلماء، وقد روي هذا في الحج والجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص.