الأمر الثاني: تقوى الله، ونعني التعلق الذي يزداد عند الفتن والمحن، والذي يعظم عند اشتداد الكرب والبلاء، مع أن كثيراً من الناس إذا ازدادت الشدة ذهلت عقولهم، وفزعت قلوبهم، فانصرفوا عن حياض التقوى، وخرجوا من دائرة العبادة، ولم يكن ذلك دافعاً لهم لمزيد من التعلق، وللإكثار من الارتباط بالعبادة والطاعة؛ لأن الناس في وقت الفتن يذهلون وينشغلون بأمور أنفسهم، وينصرفون كثيراً عن أمور تعلقهم بطاعة ربهم وعبادته سبحانه وتعالى، أليس قد قال الحق جل وعلا:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:٢]؟ كن مع تقوى الله وسوف تجد -بإذن الله عز وجل- كل عسير يسيراً، وكل صعب سهلاً، وكل مغلق مفتوحاً، وذلك وعد الله القاطع الذي لا يتخلف بإذن الله عز وجل.
وتأمل كيف يبين النبي صلى الله عليه وسلم أثر العبادة في وقت الفتنة على وجه الخصوص، وفي ذلك أحاديث كثيرة عندما تتأملها تدرك أنه كلما زادت الفتنة ينبغي أن تزيد من العبادة والطاعة، هذا حديث معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(العبادة في الهرج كهجرة إلي) رواه مسلم، وفي رواية أخرى عند الطبراني -وهي صحيحه-: (عبادة في الهرج أو الفتنة كهجرة إلي) قال الشراح: لما كانت فتنة الدين كانت النجاة منها في زمنه صلى الله عليه وسلم الهجرة إليه وإلى دار الإسلام لتثبيت الإيمان وإعلاء رايته، والعبادة لله عز وجل، فلما كانت الفتن بعد وفاته عليه الصلاة والسلام كان المنجى هو العودة إلى العبادة والطاعة، والاستكثار منها، فهي هجرة من المعاصي إلى الطاعات، ومن الفتن إلى الثبات، ومن كل سوء إلى كل خير بإذن الله سبحانه وتعالى، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن السجدة في زمن الفتنة تعدل الدنيا وما فيها، وكم نرى من الناس انصرافاً وذهولاً، فكلما اشتد الخطب زاد الشرود والبعد والغفلة عن الطاعة والصلة بالله سبحانه وتعالى.