هناك أمر ثانٍ أريد أن أنبه عليه، وأقدم له بمثال: عندما يذهب الإنسان ليشتري بضاعة فإذا قال له البائع: إنه بأربعين، فإنه يقول للبائع: أريدها بعشرين، وهو يعلم أن البائع لن يرضى بهذا الثمن، ولكنه يقول: عشرين ليصل معه إلى الثلاثين، وأخشى أن يكون موقف بعضنا أو موقف فئات ومجتمعات إسلامية من هذا المؤتمر مثل هذا الموقف، فقد عرضوا في هذه الوثيقة كل المحرمات، ليصلوا بعد ذلك إلى أن يكون هناك تفاوض ومكاسرة كما يكون في البيع والشراء، فنرفض هذا ونرفض هذا ونقول: هذا لا يليق، فيقال: إذاً: فلنلغ هذا، وأما هذا فيمكن أن يكون هكذا وهكذا.
وأقول: هذه الصورة قد تقع على مستوىً عام وعلى مستوىً فردي، وهذا هو الأمر الخطير، فما زلنا في واقع حياتنا نترخص ونأخذ ما فيه بأس رجاء ألا يكون فيه بأس، بينما سلفنا كم أثر عنهم كانوا يجعلون بينهم وبين الحرام سبعين باباً من الحلال تورعاً واحتياطاً واتباعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه).
وأقول: هذا الحمى قد سبق أن تدرج فيه الناس ووقعوا فيه، فلم نكن في يوم من الأيام نرضى للمرأة المسلمة أن تكشف عن وجهها، ثم ترخصوا في ذلك، ثم قالوا: لا بأس بشعرها، ثم ذراعها، ثم أصبحت تسبح في المسابح لا يستر عورتها شيء إلا أقل القليل، وهكذا قد تطلب مثل هذه الطلبات، فيقال: لا، هذا لا يليق، وهذا لا يصح، ثم يرضى بعد ذلك بما هو أدنى منه مما هو أسوأ.
وينبغي أن تكون مثل هذه الدعوات والتوصيات دافعة لنا للمراجعة لما سبق، فلننظر فيما سبق، ولتنظر المجتمعات الإسلامية، أليس قد وقع فيها كثير من الأمور المخالفة لشرع الله عز وجل، ووقع في بعض البلاد ما يشبه إباحة الزنا والدعوة إليه والإرشاد إليه؟! أليس هذا كله قد وقع؟! إذاً: بدلاً من أن نرفض هذا ونترخص فيما هو دونه ينبغي أن يكون ذلك كالتنبيه لنا لنرجع، حتى في بيوتنا؛ ألسنا قد كنا من قبل نستحيي في أسرنا أن يتكلم الأبناء أو الآباء والأمهات في مكان أو في وقت بأمر يمس من قريب أو بعيد الأمور الخاصة بأمور الرجل والمرأة، فأصبحنا بعد ذلك لا نرى بأساً بهذا الحديث، بل أصبحت الأسر الإسلامية في كثير من البلاد تجتمع على الشاشات الفضائية أو على الأفلام التي تظهر فيها مظاهر العري، والأم والأب والابن والبنت يشاهدون ذلك ولا شيء ولا حرج ولا حياء! إذاً: نريد أن يكون هذا بمثابة الهزة التي تنبهنا إلى ما سلف من تصرفاتنا التي ترخصنا فيها وتجاوزنا فيها شرع الله عز وجل.