وهناك قاعدة أخرى أيها الإخوة الأحبة! هي: المسئولية حقيقة كلية في المنهج الإسلامي، إذ ليست هناك مسئولية في زمان دون زمان، ولن يكون الحساب يوم القيامة على أيام الدراسة والعمل والقلم مرفوع عن أيام الإجازة أو العطل، فمن قال هذا أو توهمه فإنه لا شك على خطر عظيم.
والمسئولية كذلك لا ترتفع عن مكان دون مكان، فليست هي في مكة المكرمة أو المدينة، فإذا كان في غيرها أو في خارج هذه البلاد أصبح الأمر أمراً آخر، وأصبح التصرف مختلفاً، وأصبح القول غير القول، وغير ذلك مما نعلم كثيراً منه، إنها قضية واضحة؛ قال عز وجل:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:٣٦]، وليست هناك حدود في الزمان أو المكان تخرج عن دائرة هذه المسئولية، قال عز وجل:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨]، وكلمة (قول) منكرة ومنونة فتدل على العموم في سائر الأوقات، وفي سائر الأحوال، ففي الرضا والغضب أنت مسئول عن قولك، وفي العمل والإجازة أنت مسئول عن فعلك، وفي بلادك وفي خارجها أنت محاسب على أفعالك.
والأمر في ذلك يطول، والفقه الإيماني يدعو إلى أن يكون المرء المؤمن عاقلاً، وأن يعمل مثلما يعمل التاجر، فالتجار في مواسمهم يشمرون عن ساعد الجد، ويفتقون العقول عن الأفكار والحيل والأساليب المناسبة لمزيد من الأرباح في هذه المواسم، وتجدهم يزيدون في الأوقات، ويغتنمون الفرص في الإقبال وإتاحة الإمكانات والطاقات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك).
فانظروا إلى الأوائل كلها ستجدون أنها متعلقة بالزمن، وكلها مربوطة بما يتيسر من هذا الزمان الممتد.
وهنا نستحضر الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)، فامتداد في الزمن، وقوة في البدن، وتكاليف تنزلت بها الآيات، وشهدت بها ووجهت إليها الأحاديث، وأمة مهيضة الجناح، متأخرة عن ركب الأمم، يحدق بها الأعداء من كل مكان، وتحيط بها المكائد في كل وجه وصوب، ثم بعد ذلك ملايين من الأبناء والبنات والأسر من هنا وهناك ضائعون في فلك لا نهاية له، سائرون في طرق لا تفضي إلى خير ولا إلى علم ولا إلى عمل ولا إلى تقدم أو نحو ذلك.
أيها الإخوة! إنها قضية خطيرة، إنهم يحسبون في مقاييس الإنجاز والعمل في الدول والشركات الدقائق والساعات، ويقولون: إذا حصل أمر من الأمور وتعطلت الأجهزة أو تعطل العمل لمدة ساعة فإن هذه الساعة من عدد كذا من الموظفين تشكل كذا من الساعات الإنتاجية، وتقدر بكذا من الملايين، وتقدر بكذا وكذا، وأما نحن فنضربها ونحسبها ثم نهبها للفراغ، ونهدرها في الهباء، وننحرها بلا نفع ولا فائدة! إنها المسئولية المناطة بنا جميعاً، أنا وأنت وهذا وذاك، إن الشباب والشابات والأبناء والبنات جزء عظيم من المسئولية مناط بآبائهم وأمهاتهم، وسبل التربية والتوجيه، وسبل اغتنام الأوقات وغير ذلك مما نعلمه، إضافة إلى مسئولية المجتمع في كل دوائره المختلفة.