إن الإيمان يورث رشد العقل، ونور البصيرة، فيصبح المؤمن على بينة من أمره، يعرف الحق من الباطل، ويعرف الحق معرفة جلية واضحة لا يلتبس فيها معه غيره من الباطل، ثم يثبت على ذلك لأنه يرجع إلى أصل أصيل، وركن ركين، وأساس متين مرتبط بما لا يتغير ولا يتبدل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمونه اليوم (بالأمن الثقافي والفكري)، لا تتبدل أفكارنا، ولا تتغير تصوراتنا حتى وإن عظم القائلون بما يخالفنا، وإن أكثروا منه ونوعوا أساليب عرضه، وتفننوا في الإغراء به، ولئن شددوا أو أرهبوا في ضرورة التزامه؛ فإن ذلك عند أهل الإيمان لا يغيرهم مطلقاً، ولا يمكن يوماً من الأيام أن نغير شيئاً مما هو ثابت قاطع في حقائق الإيمان من آيات القرآن وهدي المصطفى العدناني صلى الله عليه وسلم.
ولعلي أشير إلى معنى تتجلى به هذه الحقيقة في آية من كتاب الله عز وجل:{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}[الأنعام:٥٧].
تأملوا أيها الإخوة في هذه الآية؛ فهي تحمل وضوح وبيان منهج سديد ليس من أفكار عقولنا، ولا من اجتهاد علمائنا، ولا من مجامع فقهائنا، كلا.
بل هو من الله عز وجل، فهو معصوم كامل لا نقص فيه، صحيح لا باطل معه، ثابت لا شك يعتريه مطلقاً، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ}، إن كذبت الدنيا كلها وخالفت فلا يعني أن نعود لنراجع، أو نبحث لنصحح، أو نجتمع لنرى هل هذا ما زال عاملاً وفاعلاً وصحيحاً أم أننا -كما يقولون- نحتاج إلى إعادة النظر في مناهجنا وثوابتنا وغير ذلك؟ {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}.