اعلم أن هذا اليوم الأغر هو يوم الدعاء فمن رحمة الله بعباده أنه جل وعلا طلب منهم الدعاء:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:٦٠]، وقال سبحانه وتعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:١٨٦]، وهذا هو طريق إجابة الدعاء:{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}[البقرة:١٨٦] أي: لأمر الله عز وجل، مسارعة إلى الواجبات، ومسابقة إلى الخيرات، واجتناباً للمعاصي وبعداً عن السيئات.
{وَلْيُؤْمِنُوا بِي}[البقرة:١٨٦] ليكن توحيدهم لله عز وجل خالصاً لا شك فيه ولا شبهة، ولا رياء ولا طلباً للسمعة، حينئذٍ إذا أخلصت التوحيد لله، وإذا استجبت لأوامر لله، فإنك إذا دعوت الله أجابك الله سبحانه وتعالى وأعطاك من فضله سبحانه جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أنه يحب سؤال السائلين، وتضرع المتضرعين، كما صح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام:(إن الله حيي ستير، يستحي إذا رفع عبده كفه إليه أن يردهما صفراً)، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدعاء مجاب إما في العاجلة وإما في الآجلة، وإما أن يرد به من القضاء والبلاء ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه عند ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، ويقول رب العزة والجلال سبحانه وتعالى: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاجين) أي: علت أصواتهم بالتلبية والدعاء، وضج بالدعاء: إذا رفع صوته، وفي بعض الروايات ضبطها:(ضاحين) أي: بارزين للشمس يلتمسون رحمة الله، ويرفعون أكف الضراعة والدعاء لله، (انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاجين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً عبد يرهق -أي: يرتكب المعاصي ويقترف السيئات- وفيهم فلاناً وفلانة! فيقول رب العزة جل وعلا: أشهدكم أني قد غفرت لهم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:(فما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة)، إنه يوم الله عز وجل، إنه يوم العباد ليغتنموا من فضل الكريم سبحانه وتعالى.