الأسلوب التعليمي المتبع في المدارس فيه مشكلة، وهو: أن الطالب يدرس من كل بحر قطرة، ويخرج من البحر بلا قطرة، بمعنى: أن هناك كثرة في المواد وتنوعها واختلافها، وليس بينها رابط في سنة واحدة، ومع دوامها غالباً لا يتلقى الطالب الحصيلة المرجوة من هذه المواد، مثلاً: مادة اللغة العربية تدرس في المدارس من السنة الرابعة حتى الثالث الثانوي، أي: تسع سنوات يدرس الطالب نحواً في المدارس، ويتخرج من الثانوي وهو لا يفرق بين الاسم والفعل والحرف، لماذا؟ لأنها تفرقت وتبعثرت ولم تركز، واختلطت معها مواد أخرى، فلم يكن لها جهد مستقل، وقس على هذا بقية المواد، فإنك أيضاً ستجد أنه يأخذ مواداً تستمر معه عدة سنوات، لكنه لا يخلص منها بنتيجة، فمثلاً: مناهج اللغة العربية في هذه السنوات التسع، من الممكن لو أتينا بها كلها، وعقدنا دورة لهذا الطالب ذاته في ستة أشهر أو سنة، سيخرج مستوعباً لهذه المناهج، متمكناً فيها، حافظاً لها.
أيضاً: كثرة تشعيب المواد وتفريقها على الزمن المتراخي مع وجود الإجازات، وما أدراك ما الإجازات؟ إنها تعتبر ناسخة أولاً بأول لكل ما تحصل من علم، ويحرص الطلبة على أن يخلصوا عقولهم من كل ما ترسب فيها حتى يأتوا إلى السنة الجديدة بعقل جديد ليس فيه أثر مما مضى، بل -للأسف- بعض المدارس مثل مدارس تحفيظ القرآن مطلوب إلزامياً من المدرسين ألا يسألوا الطلبة عن حفظ العام الذي مضى، والذي يختبر الطلاب في حفظ ما مضى من المدرسين يعاقب على ذلك! وكأن القضية مثل اللوح الذي يكتب فيه ثم يمحى، ثم يكتب فيه ثم يمحى، ولو أردت أن تسترجع بعض ما فيه فإنك ستجد أطلالاً باهتة وبقايا خطوط، فعنده شيء كان يسمى نحواً وقواعد، ومر به شيء كان يسمى الفاعل، وله نائب ينوب عنه أحياناً، وبعض هذه الأمور ليس بينها رابط، وليس فيها تأصيل، وهذه النقطة أجعلها تحت عنوان: العلم بين التعليم والتحصيل، هل نريد من الطالب أن يتعلم وينتهي تعليمه أم نريده أن يحصل العلم؟! هناك مسائل تحصل؛ لأنها تتكرر، فمثلاً: جدول الضرب يحفظه الطالب، ولا يقول: هذا كان في منهج السنة الثالثة أو الرابعة، ولا أسأل عنه الآن، فهو يحفظه لأنه يتكرر معه، واحتاج إليه، وداوم عليه، فصار محصلاً عنده، فهو لا يحتاج فيه أن يرجع إلى كتاب، ولو احتاج إلى الرجوع يرجع رجوعاً سريعاً، فما نسبة ما يأخذه من التعليم إلى ما يقع عنده ويخلص له من التحصيل؟ أعتقد أن النسبة بالتفاؤل ما بين ١٠ - ٢٠%، وأظن أن بعض الطلبة قد يصل تحصيله إلى حد ١% كحد التشبع، يعني كحد أعلى لمثل هذا التحصيل! وهذه نقطة سلبية كبيرة جداً في أسلوب وطريقة التعليم.
أما طريقة التعليم السابقة فإن فيها نوعاً من التفريغ للأمر الواحد أو لأمرين معتمدين، مع التركيز، ثم ينتقل إلى غيرها، تجد السابقين أول ما يبدأ الطالب عندهم بحفظ القرآن والذهن متفرغ، والوقت مصروف، والجهد مكرس لهذه القضية، فإذا حفظ القرآن دفع به ليتعلم اللغة العربية أو الفقه مثلاً، يأخذ منهجاً مختصراً يستوعب به كل المادة بإيجاز، ثم يرقى من هذا الكتاب إلى كتاب آخر فيه ذات الموضوعات، لكن فيها مزيد من التفصيل والاستدلال والتوسع، ثم يأخذ كتاباً ثالثاً في نفس الموضوعات بشيء من التوسع، وذكر بعض الاختلاف، وتوسيع المدارك، فهذا التكرار أعطاه قوة في العلم، عندما تكررت عليه المسألة أخذ أفقاً أوسع، وعندما تكررت ثالثة أخذ أفقاً أوسع، فلو جاءته مسألة أصعب لم تمر به كان عنده القدرة على التوسع والاستيعاب والتمكن والاستنباط والقياس ونحو ذلك، وهذه المشكلة من أكبر المشكلات في العملية التعليمية المعاصرة.